من طارق عمارة
القصرين (تونس) (رويترز) - في شارع فرحات حشاد بمدينة القصرين المتاخمة للحدود الجزائرية يكفي أن تطلع على الشهادات العلمية لعشرات الشبان العاطلين معلقة على الجدران فيما ترى صور وبرامج السياسيين لتعرف ان مشكلة البطالة هي أبرز ما يؤرق شبان المدينة المهمشة التي أصبحت ملجأ لجماعات اسلامية متشددة تحتمي بجبالها وبعض احيائها.
وبعد حوالي أربع سنوات من الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي وألهمت انتفاضات "الربيع العربي" تسير تونس الى ديمقراطية كاملة مع اقرار دستور جديد مطلع العام الحالي واجراء ثاني انتخابات حرة يوم الاحد.
وتصل معدلات البطالة في مدينة القصرين الزراعية والتي ظل عدد كبير من سكانها يتعيشون من التهريب عبر الحدود مع الجزائر الى حوالي ضعف معدل البطالة العام في تونس البالغ 15 بالمئة. لكن بعد انتفاضة 2011 اصبحت القصرين بؤرة توتر مع احتماء جماعات اسلامية متشددة في جبال المنطقة الوعرة.
وانتخاب 217 نائبا في البرلمان الجديد يوم الاحد من شأنه ان يعطي دفعة اقوى للانتقال الديمقراطي في مهد انتفاضات الربيع العربي التي ينظر اليها على انها نموذج في بلدان المنطقة المضطربة التي تكافح لانهاء العنف والاستقطاب.
لكن تونس التي تعتمد بشكل كبير على عائدات السياحة وتحويلات المغتربين لا تزال بحاجة إلى الوفاء بوعود النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل وهذه هي نفس المشاكل الني أنهت في 2011 حوالي 23 عاما من حكم الرئيس بن علي.
ويبدو الاحباط الاجتماعي والاقتصادي والخطر الذي يشكله على التحول الديمقراطي أوضح في المناطق الداخلية للبلاد مثل القصرين عن أي مكان اخر بالبلاد حيث التهميش والفقر والبطالة ونقص الاستثمارات مازال مستمرا حتى بعد الثورة.
ومنذ أشهر تحاصر قوات الأمن والجيش مقاتلين اسلاميين لجأوا لجبال الشعانبي وهاجموا نقاط تفتيش وقتلوا جنودا وهاجموا حتى بيت وزير الداخلية في حي الزهور بقلب مدينة القصرين وقتلوا اربعة حراس.
تقول فتاة اسمها ابتسام سمعلي بينما كانت تطالع برامج الاحزاب وهي حاصلة على شهادة في علوم المحاسبة لكنها لا تزال عاطلة منذ سنوات "لم يتغير شيء في القصرين .. القصرين منسية من قبل ومنسية الان.. لا مشاريع ولا تنمية ..بالعكس الان التصقت كلمة ارهاب بالقصرين".
وتضيف ابتسام لرويترز "لكني سأصوت في الانتخابات لكي لا أعيد نفس غلطتي السابقة وسأنتخب اخرين غير الذين اخترتهم قبل ثلاث سنوات".
وهذا الشهر قال رئيس الوزراء التونسي مهدي جمعة لرويترز إن تونس تحتاج الى ثلاث سنوات اخرى من الاصلاحات الاقتصادية المؤلمة لانعاش اقتصادها المتداعي من بينها خفض الدعم ورفع عائدات الضرائب.
وأضاف جمعة أن هناك توافقا بين الاحزاب السياسية الكبرى على التوجهات العامة لاصلاح الاقتصاد المنهار منذ انتفاضة 2011.
ويقول خبراء إن تونس تحتاج لتحقيق معدل نمو يصل الى 5 بالمئة لخفض مستويات البطالة التي تصل الان 15 بالمئة.
وفي مقهى بالقصرين يجلس شابان عاطلان عن العمل يتقاسمان السجائر ويقول احدهما ويدعي ابراهيم العصادي الذي كان يدخن سيجارة ويحتسى القهوة مخاطبا فريق رويترز "نحن لم نجن منها سوى البطالة والارهاب ..لكن سننتخب لعل الاوضاع تتحسن ونرى حكومة تهتم بمشاغلنا..ولكن صبرنا لن يطول كثيرا وقد تشعل القصرين ثورة ثانية لن تهدأ هذه المرة."
واضاف العصادي العاطل عن العمل منذ عشر سنوات "اليوم نريد ان نجني ثمار هذه الثورة مهما كان اسم او لون الحكومة المقبلة."
وفي 2011 كانت مدينتا سيدي بوزيد والقصرين من اوائل المدن التونسية التي خرج الالاف فيها في احتجاجات أنهت 23 من حكم بن علي للاحتجاج على التهميش وتفشي البطالة والفساد.
لكن الوضع الاقتصادي في هذه المدن وغيرها من المدن التونسية لم يتغير بل ازداد سوءا بعد 2011 مع تركيز الساسة على انهاء خلافاتهم السياسية. وارتفع معدل التضخم الى حوالي 6 بالمئة مقارنة بمعدل 3 بالمئة.
ويقول محمد لخضر النصراوي (63 عاما) إنه يعيش أوضاعا صعبة فعائلته محرومة حتى من الماء الصالح للشرب ويقول إن الامل مازال يراوده وان اهالي القصرين سيدلون بأصواتهم وسيصبرون ترقبا لتحسن الاوضاع.
يقول والي القصرين عاطف بوغطاس إن نسب البطالة مرتفعة في المنطقة لكنه يأمل انه مع تحسن الاوضاع الامنية في المنطقة وتوقف الاحتجاجات ان ترتفع معدلات التوظيف.
(اعداد طارق عمارة للنشرة العربية - تحرير محمد هميمي)