يجب على كل شعوب العالم ان تقدم برقية شكر وامتنان إلى صاحب الفخامة والمعالي سمو ولي العهد
الامير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود.
"لولانا لكان وضعهم مختلفاً اليوم"
كلما تتخذ المملكة قرارً صائباً، توجهت إليها الاتهامات السخيفة من أصحاب الوجه المكشوف في البيت الأبيض، وكلما كانت القرارات السعودية اكثر جرأة ، كانت الاتهامات أكثر سخافة ، الى ان اراد الامير ان يُسكِت تلك الأفواه المريضة بكلمته القاضية " لولانا لكان وضعهم مختلفاً اليوم "
وفي تلك العبارة اشارة الى مصطلح "البترو دولار" والذي جعل من الدولار الأمريكي عملة "ذات قيمة" بعدما انهارت ثقة العالم فيه بعد أكبر عملية استحواذ غير قانوني ، وغير أخلاقي على ذهب العالم في ما يعرف بـ "صدمة نيكسون" حينما أعلنوا إنسحاباً مؤقتاً (صار ابدياً) من معيار الذهب.
لم يثق العالم في الامريكان، اهتزت صورة الدولار وانخفض بقوة ، طلبت الولايات المتحدة من الأصدقاء في الرياض الدعم ، فظهر إلى العلن مصطلح البترو دولار، وهو ان النفط سيباع فقط وحصراًَ بالدولار الأمريكي مما أعاد وبقوة الطلب على العملة الأمريكية بسرعة وبقوة وأعاد لها الثقة المفقودة.
تلك المملكة التي إذا ما استغاث بها الصديق إغاثته.
عذراً للرجوع إلى حقبة السبعينات ولكن إن لم تعتقد أن البناء الاقتصادي العالمي عبارة عن نظام هرمي مبني على تراكمات القرارات على مدار العقود والتي لها التأثير القوي بكل هذا التراكم في كل لحظة نحياها الآن ، فعليك إذن مراجعة وجهة نظرك عن الاقتصاد.
نعود الآن إلى العام 2021 وتحديداً في نوفمبر عندما أعلن الفدرالي الأمريكي نيته لبدء سلسلة من عمليات رفع الفائدة الأمريكية، ولذا سنرصد بعض الأحداث التي تلت ذلك على الصعيد العالمي:
- فبراير 2022 روسيا بدأت الحرب الفعلية على أوكرانيا
- مارس 2022 الفدرالي الامريكي يبدأ في رفع الفائدة
- اغسطس 2022 مخزونات النفط الامريكي الاستراتيجية تنفض بوتيرة قوية
- سبتمبر 2022 انفجار خط السيل الشمالي ( نورد ستريم ) بشقيه واحد واثنين
- أكتوبر 2022 اوبك+ تتخذ قراراً استراتيجياً بخفض الانتاج
نظن جميعا ونحن نعمل في هذا المجال عزيزي القارئ أن الفيدرالي الامريكي مؤسسة اقتصادية ومالية مهمتها الاولى ضبط قواعد الاقتصاد حسب متطلبات الدولة.
لكن بالنظر خلف الكواليس وخلف القرارات ، سنجد أن كثيرا من الحبر قد سال داخل اروقة هذا البنك على قرارات "سياسية" ، بل لن ابالغ ان قلت في بعض الأحيان "عسكرية".
عندما ابدى الفدرالي عن نيته لرفع الفائدة ، يجب أن تعلم لماذا أثار تلك الضجة وفي هذا التوقيت!
قبل نوفمبر 2021 قد مرت الولايات المتحدة بوباء كورونا ، وكانت الدولة الأكثر غباءاً في التعامل مع المرض الخطير ، حيث انها استطاعت وعن جدارة حصد المركز الأول في عدد الإصابات ، وكذلك المركز الأول في عدد الضحايا ، رغم كل هذا التقدم ، استطاعت بعض الدول النامية والفقيرة ماليا وتكنولوجياً أن تتعامل بحسم أكبر مع الجائحة من دولة بحجم "القطب الأوحد" سياسيا واقتصاديا وعسكريا وتكنولوجياً ، أو هكذا أوهمونا.
أغلقت الولايات المتحدة كالعديد من الدول أثناء الجائحة ولكنها سرعان ما عادت لفتح اقتصادها متجاهلة حياة الناس ، لأن في تلك المرحلة كان على الساسة أن يختاروا بين حياتين ، إما حياة الناس او حياة الدولة.
إن أخطر سلاح يجعل الولايات المتحدة تستطيع الوقوف على قدميها عزيزي القارئ ، ليست القوة النووية ، وكذلك ليس الدولار ، وايضا ليس هذا الجيش العملاق.
إن أخطر سلاح تعتمد عليه الولايات المتحدة في الصمود هو "الاستهلاك" - "الشراء" النهم في الشراء ،وعندما حلت عليهم ظلال الوباء وأعلنوا الإغلاق ، أدرك العالمين ببواطن الامور ان هذا القرار يضرب صلب قوة الولايات المتحدة ، فسارعوا الى الغاءه ، ومحاربته ، ولكي يشجعوا الناس على النزول ، طبعوا الكثير ، الكثير ، والكثير جدا من الأموال ، وزعوها على الناس ، مجانا ، ولسبب واحد فقط وهو أن لا تتوقف عملية الشراء.
فتوقف عملية الشراء سيدي القارئ في دولة استهلاكية بامتياز سيؤدي الى تأثير الدومينو على القاعدة الاقتصادية بالكامل ، سواء الصناعية او التجارية او الزراعية او التكنولوجية ، لان لا معنى لكل ذلك بدون شراء بالنهاية.
طبعت الولايات المتحدة ما زاد فعلاً عن 10 تريليونات دولار في عام ونصف ، متخطية بذلك كل ما قامت بطباعته على مدار الخمسين عاماً السابقة على الجائحة مجتمعة ، تم ضخ تلك الأموال في السوق الامريكي ، اصبح الدولار مهدد ، إذن تلك الورقة المطبوعة كيف نجعل لها قيمة؟
الحل السحري - قم برفع الفائدة
وهذا الحل السحري لن يفيد فقط في اصباغ قيمة على بعض الورق المطبوع ، لكنه سيكون خطوة استباقية لأسواق الطاقة لتدمير قدرة الطلب عليها من خلال نشر عملية من الركود المصنوع عمداً.
وبهذا تضرب الولايات المتحدة العصفورين ، الدولار يحافظ على قيمته ، بل ويشتري النفط الرخيص ، وبالمرة تصدير هذا الركود الى المنافسين في آسيا.
ولكن هنا واجه بايدن رئيس الفدرالي .. عذراً اقصد باول عدواً اخر وهو شركات النفط الامريكية ذاتها ، حيث ان هناك معادلة اقتصادية لا يجب تخطيها وهي:
ارتفاع التضخم + ارتفاع سعر النفط = تيسير كمي " طباعة نقود" ، وسبب تلك المعادلة أن شركات النفط الأمريكية تتأثر بشدة بنسبة الفائدة لأن انخفاض الفائدة يعني نفط منخفض السعر ، وارتفاع الفائدة يعني نفط مرتفع السعر وهو ما دفع الشركات الأمريكية إلى رفع الأسعار رغماً عن صناع القرار في ذات الدولة ، وهو ما وجد فيه بايدن نفسه عاجزاً عن توفير النفط بأسعار مخفضة ولذلك لجأ الى الاحتياطي الاستراتيجي الخاص به والذي أكل بالفعل أكثر من ثلثيه.
وفي خضم تلك المعركة الحامية والتي تدور على الارض الاوكرانية وفي اروقة الفدرالي وفي عقول مصنعي النفط ، لجأ كل طرف الى تقويه سلاحه ، حيث واصلت الولايات المتحدة رفع أسعار الفائدة ، وبالمقابل واصلت أوبك+ بخفض إنتاج النفط.
وهنا ينجلي الغبار عن المشهد القائم ونتعرف على الفائز .. من الفائز؟
هل يا ترى الفريق الذي يواصل الضغط من خلال رفعه للفائدة ؟ ام الفريق الذي يخفض إنتاج النفط؟
الولايات المتحدة وأوروبا يرفعان الفائدة، السعودية وروسيا يخفضان النفط.
الولايات المتحدة تستطيع مع الكثير من القتال تلبية احتياجاتها من الطاقة، أوروبا لن تستطيع استكمال المسيرة ، ولعل الكثير من القراء أما سافر الى اوروبا او يعرف من سافر اليها ليحكي له عن الوضع الآن رغم أننا لم نبلغ ذروة الشتاء بعد.
في نفس الجانب سيتحتم على الولايات المتحدة تعبئة الاحتياطي الاستراتيجي الضخم الذي استنفذت رغماً عنها خاصة وان الادارة الحالية فقدت ذراعها التشريعي "الكونجرس" وسيمثل هذا عامل ضغط رهيب لاعادة تعبئة المخزون وبالتالي خلق طلب قوي وشديد على النفط.
على الجانب الآخر ، روسيا تواصل إرسال المخزون السوفيياتي من أسلحتها الصدئة إلى أرض المعركة واستنفذت مخازن السلاح الغربي الحديثة ، دولة تملك طعامها وشرابها ونفطها وغازها ، لن تتأثر كثيراً بالشتاء المقبل.
أما المملكة .. فهي تملك النفط ، تمتلك السوق ، وايضا تملك ورقة رفع الفائدة ، فهي لم تربح فقط ، بل أوثقت من قبضتها على الأسواق ، وقالت كلمة، كلمة لم تعجب حاكم البيت الابيض ، لم يتوقعها ، لم يتوقع ان يقول احد من الجانب الغربي من المحيط أي كلمة ، فصدمته قرارات المملكة ، والتي خفضت انتاج النفط من ناحية ، ورفعت الفائدة من ناحية اخرى لتمسك بزمام الأمور ، والمبادرة ، وهذا ما وعاه الرئيس الصيني ، المنافس الاقتصادي الرسمي للغرب قاطبة ، لذا ، طرق باب الرياض ويده ممدودة بالصداقة ، طلب صديقاً يعلم أنه لن يخذله وقت الضيق ، سمع القائد يقول " لولانا لكان وضعهم مختلفاً اليوم".
النفط يربح؟ قطعاً .. سيربح
فالنفط ليس ورقاً مطبوعاً يا سيدي.
لكن من ينظر من اعلى سيجد رابحاً اخر ، فارساً مغواراً خدمته كل الظروف ليكون المستفيد الأكبر من تلك المعركة "الذهب".
الذهب عزيزي القارئ سيستفيد من سيل متواصل من البيانات السلبية القادمة من غرب الأطلسي ، بيانات البطالة والركود وانخفاض الطلب على الإنتاج كلها ستصب في مصلحة الذهب ، الذهب الذي أصبح هدف الـ 2000 دولاراً للأوقية ليس خيالياً إن تحدثنا عنه ، بل يطمع الثور في المزيد ، والكثير من المزيد.
تمنياتي بتداول سعيد وربح وفير
كريم راغب - محلل فني
لقراءة مقالاتنا السابقة برجاء زيارة الرابط التالي