كثيرا ما تتأثر أسواق الطاقة، أكثر من أسواق السلع الأساسية الأخرى، بالأحداث الجيوسياسية. ولكن ليس كل حدث جيوسياسي يؤثر على أحدى الدول المنتجه لمصادر الطاقة يمكن أن يكون له تأثير ملحوظ على الأسواق العالمية. وعندمايتعلق الأمر بالبلدان المنتجة لمصادر الطاقة، فإنه يمكن للمنتجين الرئيسين أنيتفقوا حتى لو كانت تباعد بينهم خصومات جيوسياسية تقليدية، ولذلك، فإنه من المهم للمستثمرين أنيكونوا قادرين على التمييز بين الأحداث الجيوسياسية التي من المحتمل أن تؤثر علىأسواق النفط، وتلك الأحداث التي لا يتوقع أن تؤثر على الأسواق. فما يلي بعض الأمثلة الحديثة على ذلك:
السعودية وروسيا:
لم تكن روسيا الشيوعية والمملكة العربية السعودية صديقتين أبدا، وعلى الجبهة الدبلوماسية، فإن البلدين لديهما أراء متعارضة تماماً بشأن القضايا الرئيسية على الساحة الدولية اليوم. فبينما تدخل روسيا حرباً في سوريا لدعم نظام الأسد، فإن المملكة العربية السعودية تعارض نظام الأسد وتدعم الجهود الرامية إلى الإطاحة به. ولكن عندما يتعلق الأمر بسوق النفط، فإن السعوديين والروس هما الأن حلفاء وبشكل أقرب من أي وقت مضى. لقد اقنعت المملكة العربية السعودية روسيا بالمشاركة فى إتفاق خفض الإنتاج الذي أقرته (أوبك)، بل وحتى حضور إجتماعات المنظمة (دون إنضمامها لها). وتتحدث روسيا والمملكة العربية السعودية بجدية عن إنشاء صندوق استثمار مشترك لإستغلال الفرص المتاحة في قطاع الطاقة وللإستثمار في مجال تكنولوجيا الطاقة. كما أن السعوديون كانوا قد إستضافوا وزير النفط الروسي (الكسندر نوفاك) في منشآتهم النفط في صحراء البلاد فيوقت سابق من العام الحالي، ومن المقرر أن تقوم وحدة سعودية متخصصة بزيارة المنشآت النفطية الروسية في سيبيريا خلال شهر تموز/يوليو القادم. وفي حين أن هاتين الدولتين تختلفان اختلافاً هائلاً في الأمور الجيوسياسية، فإنهما حليفتان مقربتان ومنسجمتان بشكل قل نظيره في عالم النفط في الوقت الراهن.
إيران ودول الخليج العربي:
يكاد لا يكون هنالك شيء إسمه علاقات دبلوماسية بين إيران ومعظم جيرانها العرب في الخليج. في عام 2016، أدت التوترات المتصاعدة بين الطرفين إلى قيام جماهير غاضبة من المتظاهرين الإيرانيين إلى إقتحام السفارة السعودية في طهران. أما السعودية، فلقد حظرت تقريباً الحج إلى مكة على الإيرانيين. وخلال زيارة الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) للبلاد، إستضافت السعودية 50 دولة إسلامية أخرى، وفي أثناء هذه الإستضافة، تم وصف إيران بأنها تشكل تهديداً إقليمياً وانها دولة داعمة للإرهاب. ومع ذلك، وعلى الرغم من أن دول مجلس التعاون الخليجي تعارض إيران من الناحية الدبلوماسية، إلا أنها تواصل التعامل مع إيران وتضع لها إعتباراً عندما يتعلق الأمر بالنفط. ففي الإتفاق التاريخي لخفض الإنتاج والذي تم إقراره في أواخر عام 2016، وافقتدول مجلس التعاون الخليجي على إعفاء إيران من الامتثال لخفض إنتاج النفط الذي أقرته منظمة (أوبك)، وذلك من أجل أن يتم السماح لصناعة النفط الإيرانية بالانتعاش من جديد، بعد أن أضعفتها سنوات من العقوبات الاقتصادية التي أعاقت نموها. وعلى الرغم من أن التوترات مع إيران قد إرتفعت في النصف الأول من العام الحالي، إلا أن دول الخليج العربي وافقت بسهولة وبدون أي معارضة على مواصلة إعفاء إيران من تخفيض الإنتاج، وذلك في إجتماع منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) الذي جرى الشهر الماضي، وتم خلاله إقرار تمديد إتفاق خفض الإنتاج لـ 9 أشهر أخرى.
قطر وجيرانها العرب:
من الناحية الجيوسياسية، فإن دولة قطر تتعرض لمقاطعة من جانب جيرانها العرب الأقوياء،وهو ما فرض بشكل أساسي حظراً على البلاد لدعمها المنظمات الإرهابية وإرتباطها بإيران. ورغم أن الدول المشاركة في الحظر قد أوقفت صادراتها الغذائية إلى قطر، ومنعت رحلات الخطوط الجوية القطرية من الطيران فوق بلدانها، وحظرت مرور السفن القطرية على موانئها، إلا أن أسواق النفط والغاز في قطر لم تتأثر بأي من ذلك. وفي الواقع، فإن قطر كانت قد أعربت عن دعمها المستمر لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)،وأعادت التأكيد على عزمها مواصلة الامتثال لإتفاق خفض إنتاج النفط الذي أقرت المنظمة تمديده في 25 آيار/مايو. ولا تزال صادرات قطر من الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال غير محظورة.
كل هذه البلدان (السعودية، روسيا، إيران، وقطر) لديها اقتصادات مبنية على إنتاج ومبيعات مصادر إنتاج الطاقة. ومن النادر جداً أن تكون هذه الدول على استعداد لتعريض صناعات الطاقة لديها للمخاطر، بسبب المناورات الدبلوماسية أو الجيوسياسية.يجب على المستثمرين النظر في الدوافع، قبل أن يقوموا بإفتراض أن إتفاقات خفض إنتاج النفط أو إمدادات منتجات الطاقة إلى الأسواق العالمية ستكون في خطر، بسبب حدث جيوسياسي أو حدث عالمي. ويجب أن نتذكر دائماً أنه يمكن للأعداء على الساحات السياسية والدبلوماسية أن يكونوا أقرب الحلفاء، وأن يتعاونوا معاً بشكل فعال في أسواق النفط وغيره من منتجات الطاقة، عندما يكون المال هو الأولوية.