طرابلس (رويترز) - كان الهدف من تقاطع طرق سريع جديد في إحدى ضواحي طرابلس إظهار كيف تعمل الحكومة على تحسين حياة الليبيين، لكن الاشتباكات الدموية التي وقعت هذا الأسبوع تركته تتناثر فيه السيارات المحترقة وطلقات الرصاص الفارغة.
كانت أعمال العنف التي أودت بحياة 55 شخصا حول تقاطع "عودة الحياة" هي الأسوأ التي تشهدها طرابلس منذ سنوات، وقضت على أي أمل في تخفيف حدة الصراع المستمر منذ عقد وانحسار الفوضى التي كثيرا ما عطلت إنتاج النفط في الدولة العضو بأوبك وحولتها إلى نقطة انطلاق رئيسية لرحلات المهاجرين الساعين إلى الوصول لأوروبا.
وسعى رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة وحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة إلى تعزيز سلطتهما من خلال الإنفاق على الإعانات الاجتماعية والبنية التحتية، ومع ذلك لا تزال ليبيا ممزقة بسبب تنافس الفصائل المسلحة على السلطة.
يمر أحمد إبراهيم (35 عاما) وهو مصمم جرافيك بتقاطع "عودة الحياة" عندما يقود سيارته في طريقه إلى العمل كل يوم وسمع دوي الاشتباكات التي اندلعت يوم الاثنين واستعرت في منطقة عين زارة حيث يقطن ويقول "كان صوت إطلاق النار عاليا للغاية وكان مرعبا".
وأضاف "من الصعب جدا أن تشرح لابنك الصغير ما يحدث عندما تحاول حماية أسرتك". وتحدث كيف استمتع بسهولة الطريق إلى العمل والمزايا الأخرى للإنفاق الحكومي مثل توفير المزيد من الكهرباء.
ومثل غيره من الليبيين، يعي إبراهيم جيدا حقيقة استمرار الصراع على السلطة رغم التحسينات الظاهرية في الحياة اليومية، لكن مستوى القتال أصابه بالصدمة. ووصف تبادل الفصائل للقذائف المدفعية ونيران الرشاشات الثقيلة بأنها "مثل الكابوس".
واندلع القتال عندما اعتقل أحد الفصائل، وهي قوة الردع الخاصة، قائد فصيل منافس وهو اللواء 444 في أثناء محاولته السفر عبر مطار معيتيقة.
والمطار الذي تطمع الفصائل المسلحة في السيطرة عليه كبقية الأصول الحكومية الرئيسية الأخرى يخضع لسيطرة قوة الردع الخاصة.
* تحالفات مضطربة
تشغل قوة الردع الخاصة ومعظم الفصائل المسلحة الأخرى مناصب شبه رسمية وتتقاضى رواتب من الدولة، وتعمل كقوات أمن بزي رسمي على الرغم من أنها مسؤولة في نهاية المطاف أمام قادتها. لكن السلطات القضائية لم تصدر أي مذكرة اعتقال لقائد اللواء 444 محمود حمزة لشرح أسباب اعتقاله.
ودعم كلا الفصيلين الدبيبة في صراع عنيف على السلطة العام الماضي. والفصيلان هما الأقوى في طرابلس إلى جانب فصيل ثالث هو جهاز دعم الاستقرار لكنهم لم يكونوا بحق حلفاء مطلقا. وطُردت مجموعات أخرى من طرابلس.
وجعل حمزة الذي كان ضابطا في قوة الردع الخاصة من اللواء 444 واحدا من أقوى الوحدات المسلحة الليبية، ويسيطر على مساحات شاسعة من طرابلس ومناطق مهمة استراتيجيا جنوبي العاصمة.
وحينما حضر الدبيبة العرض العسكري في ذكرى تأسيس الجيش الليبي الأسبوع الماضي، شارك المئات من مقاتلي اللواء 444. ووصفهم رئيس الوزراء المؤقت في خطابه بأنهم الجيش الليبي.
وليس هناك زعيم سياسي فيما يبدو بوسعه إخضاع الفصائل المسلحة لسيطرة أكبر من جانب الدولة أو تقديم حل دائم للصراع الأوسع.
وبعد تسع سنوات من الانتخابات الوطنية السابقة، وسلسلة من الحكومات المؤقتة وخطط الانتقال، دأبت المؤسسات السياسية الليبية على تبادل الطعن في شرعيتها وعلى المناورة لتحقيق مزايا مؤقتة.
وركزت الدبلوماسية الدولية على دفع البرلمان الذي مقره الشرق وهيئة تشريعية في طرابلس للاتفاق على قواعد الانتخابات، لكنهما لم يحرزا تقدما يذكر.
لكن المؤسستين تركزان أكثر على السعي لاستبدال الدبيبة. وتعتبران، إلى جانب بعض الفصائل خارج طرابلس، الدبيبة منافسا على النفوذ والسلطة.
وسعى الدبيبة إلى توطيد موقعه من خلال شق طرق جديدة وتحسين إمدادات الطاقة وتقديم إعانات اجتماعية مثل الدعم المادي للمتزوجين الجدد، لكن قادة الفصائل اشتكوا من فساد في الإنفاق العام. وينفي الدبيبة ذلك.
وفي الوقت الذي يسعى فيه الدبيبة وبعض الفصائل إلى تعزيز السيطرة في طرابلس، مازال خليفة حفتر يتمتع بنفوذ في شرق ليبيا. وقد يوفر الوضع الراهن ما يشبه الهدوء، لكن اشتباكات هذا الأسبوع أظهرت مدى السرعة التي يمكن بها تبديد هذا الهدوء.
(إعداد رحاب علاء ومحمد حرفوش للنشرة العربية - تحرير سها جادو)