براغ، 8 أبريل/نيسان (إفي): وقع الرئيس الأمريكي باراك أوباما ونظيره الروسي ديمتري ميدفيديف اليوم على اتفاقية "ستارت 2" الجديدة الساعية للحد من الأسلحة النووية في البلدين، في إطار مراسم بروتوكولية أقيمت بقلعة براغ بالعاصمة التشيكية، لتحل محل اتفاقية "ستارت" التي انتهت صلاحيتها في ديسمبر/كانون أول الماضي.
وتنص الاتفاقية الجديدة على خفض عدد الرؤوس النووية الحربية إلى 1550 لدى كل من الطرفين خلال 7 أعوام، مع تقليل عدد منصات الإطلاق الاستراتيجية، مثل منصات الصواريخ عابرة القارات والغواصات والقاذفات الاستراتيجية، ليصل عددها إلى 800 فقط، وذلك في انخفاض بنسبة 74% عما نصت عليه اتفاقية ستارت الأولى في 1991 و نسبة 30% عن الحد المسموح للرؤوس النووية في معاهدة موسكو التي تم توقيعها في 2002.
وتتضمن الاتفاقية بندا أحاديا من جانب روسيا يمنحها الحق في التراجع عن الاتفاقية إذا اعتبرت أن أي نظام دفاعي أمريكي مضاد للصواريخ يمثل تهديدا لمصالحها، كما تشمل نظاما للتحقق من التنفيذ، فيما كان يعد من أبرز النقاط الشائكة خلال عملية المفاوضات بين واشنطن وموسكو بهذا الصدد.
ويمتد سريان الاتفاقية لمدة 10 أعوام، يمكن إطالتها إلى 5 أعوام إضافية، وتنتظر الآن المصادقة عليها من جانب الكونجرس الأمريكي ومجلس الدوما (البرلمان الروسي) لتدخل حيز التنفيذ.
وفي تصريحات عقب التوقيع، قال أوباما إن تلك الاتفاقية تضع حدا لما وصفه بـ"التباعد والجمود" الذي تعرضت له العلاقات الثنائية بين البلدين خلال الأعوام الأخيرة، كما رأى الرئيس الأمريكي أن اتفاقية "ستارت" الجديدة تفتح الطريق أمام المزيد من إجراءات الاقتطاع في ترسانات الأسلحة النووية في البلدين.
وأعلن عن اتفاق بلاده مع روسيا على بدء المفاوضات حول أنظمة الدروع الصاروخية، فيما يعتبر من أهم القضايا الشائكة في العلاقات الثنائية بين واشنطن وروسيا، مشيرا إلى أن المفاوضات الثنائية ستتضمن تبادل المعلومات بشكل دوري حول تقييم التهديدات، بما يشمل تقييما للصواريخ الباليستية التي يتم تصنيعها، وأعرب عن أمله في بدء حوار جاد حول التعاون الروسي-الأمريكي في أنظمة الدفاع المضادة للصواريخ بعد انتهاء أعمال التقييم.
ومن جانبه، صرح الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف أن الاتفاقية التي وقعتها بلاده مع الولايات المتحدة اليوم تمثل "حدثا تاريخيا" يعود بالنفع على الطرفين، وأكد أن تلك الاتفاقية تساهم في خلق أجواء أفضل لتحقيق الاستقرار العالمي، مبرزا أن المساعي الروسية-الأمريكية نجحت في إتمام الاتفاق على بنودها بعد أن كان الأمر يبدو مستحيلا منذ بضعة أشهر.
وتطرقت تصريحات الرئيسين إلى قضية الملف النووي الإيراني، التي شغلت حيزا كبيرا في مباحثاتهما الثنائية التي سبقت توقيع اتفاقية "ستارت" الجديدة، حيث أكد كل من أوباما وميدفيديف التزامهما بشأن تشديد العقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي، والذي رجح أوباما أنه قد يتم خلال فصل الربيع الجاري.
ومن جانبه أعرب ميدفيديف عن ترحيبه بتوقيع عقوبات "ذكية" على الجمهورية الإسلامية لعرقلة برنامجها الساعي لانتشار الأسلحة النووية، و"دفعها إلى الطريق الصحيح"، فيما يعتبر تحولا ملحوظا لموقف موسكو التي دأبت على التحفظ على توقيع أي عقوبات على نظام طهران، مفضلة التمسك بالحوار.
وقال الرئيس الروسي "نحن بحاجة إلى عقوبات تدفع الدولة إلى التصرف بشكل ملائم وفي إطار الشرعية الدولية"، كما أعرب عن أسفه لعدم استجابة إيران للعديد من الاقتراحات "البناءة" التي طرحها المجتمع الدولي لتتخلى عن برنامجها النووي والاكتفاء باستخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية.
ومن جانبه، أكد أوباما، قائلا "لن نسمح بأي أفعال قد تثير سباقا للتسلح في منطقة حيوية وتمس مصداقية المجتمع الدولي، وأمننا ككل".
وتعهد الرئيس الأمريكي بإجراء "مفاوضات مكثفة" خلال الأسابيع المقبلة بشأن العقوبات على إيران في مقر الأمم المتحدة، حيث تؤيد الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا فرضها، في حين يبدي العضوان الدائمان الآخران في مجلس الأمن، روسيا والصين بعض التحفظ على هذا الأمر.
وأعقب المؤتمر الصحفي إعلان البيت الأبيض عن قيام ميدفيديف بزيارة الولايات المتحدة خلال الصيف المقبل، فيما اعتبره المتحدث باسم الرئاسة الأمريكية، روبرت جيبس "الخطوة التالية لتحسن العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا".
ويرى المحللون أن توقيع اتفاقية "ستارت" الجديدة يعد من أهم نجاحات سياسة أوباما الخارجية واستراتيجيته الساعية للحد من انتشار الأسلحة النووية، خاصة بعد أن أعلن منذ يومين عن عزمه قصر استخدام أسلحة بلاده النووية على "الظروف القصوى"، فضلا عن استعداد واشنطن لاستضافة قمة الأمن النووي خلال الأسبوع المقبل بحضور 47 دولة.
وتعد المعاهدة أيضا أول خطة ملموسة لاستئناف قوة العلاقة الثنائية مع روسيا، التي تدهورت كثيرا في فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، فضلا عن كونها تمثل تقدما حقيقيا لأجندة أوباما الدولية واهدافها التي أعلن عنها منذ حوالي عام في براغ، وأهمها اخلاء العالم من الأسلحة النووية. (إفي)