لن أتحدث اليوم عن ماهية أزمة الديون السيادية أو ما يتم نشره بشكل متكرر يوميا، لكن دعونا ننتقل إلى بُعد آخر و نطرح المعضلة من زاوية أخرى في نقطة سبق و أن أشرنا إليها، ألا وهي لماذا تقوم دول آسيوية ذات ثقل عالمي و اقتصادي قوي مثل الصين و اليابان نحو شراء السندات من دول في منطقة اليورو يتوقع لها أن تنزلق في الإفلاس إذا لم يتم إنقاذها و الحصول على مساعدة خارجية؟!!
في الواقع فإن الاقتصادات العالمية مقسمة إلى نوعين، الأول وهو اقتصاد ذو فائض تجاري واقتصادات ذات عجز تجاري ويمكن معرفة ذلك عند قراءة الحساب الجاري لكل اقتصاد. وحتى وقت قريب لم يكن هنالك إهتمام كبير بمدى تحركات الدول صاحبة الفائض مثل الصين و اليابان و كذا بعض من الاقتصادات الناشئة. خاصة أن كان الاهتمام الأساسي و الذي يبث من خلال وسائل الإعلام المختلفة هو التحدث عن أزمة الديون في منطقة اليورو و كيفية حلها إلى آخره...
لكن ما أود أن نلقى النظر عليه هو أن الدول ذات الفائض بات يتوجب عليها أن تتحرك نحو المساهمة في حل تلك الأزمة، وذلك يرجع إلى عاملين رئيسيين: الأول هو أن منطقة اليورو و الاتحاد الأوروبي بشكل عام يعد شريك تجاري قوي لتلك الدول الآسيوية، لذا فإن أي خلل إقتصادي بها يؤثر على وتيرة نمو الدول ذات الفائض. و هو الأمر الذي يدفعها بالتحرك كي تدعم تلك الاقتصادات ومن ثم لا تضرر الأوضاع الداخلية لدى الصين أو اليابان.
أما العامل الثاني فهو أن مجرد تحرك هذه الدول لا يتوقف فقط على الحفاظ على وتيرة التجارة العالمية و صادراتها، لكن تستهدف تلك الدول الإبقاء على سعر عملتها منخفض أمام العملات الرئيسة الأخرى وهو أمر يدعم الميزة التنافسية السعرية لمنتجاتها.
لذا فبدلا من التدخل بشكل غير مباشر في سوق سعر الصرف عن طريق بنوك أو صناديق إستثمار، تقوم تلك الدول في الابقاء سعر صرف عملتها منخفض عن طريق شراء سندات الدول التي تقوم بالتصدير إليها وهو أمر شرعي و لا أحد يمكنه التعقيب أو انتقاد ذلك..وتأتي تلك المبادرة الآسيوية في وقت غاية في الحساسية تجاه أسعار الصرف في سوق الفوركس بين الدول ذات العلاقة.خاصة أن الكل بات يهدف إلى خفض سعر صرف عملته بشتى الطرق.
البداية كانت مع الصين في الأسبوع الأول من العام الحالي و إعلانها صراحة عن دعمها لمنطقة اليورو و الاقبال على شراء جزء كبير من السندات الآسبانية على الرغم من أن الأخيرة تقف على حافة الوقوع في الإفلاس بعد البرتغال و الاقبال على طلب المساعدة من صندوق النقد و الاتحاد الأوروبي.
و هذا الأسبوع نرى اليابان تمد يد العون و تعلن عنإعتزامها شراء نحو خُمس السندات التي ستقوم المنطقة بإصدارها وهذه الشريحة تقارب المليار يورو، ونود هنا أن نذكر أن وزير المالية الياباني و كأنه يأتي إلى المنطقة ممداً يد و الأخرى تحمل الخنجر وراء ظهره.
ولنا أن نعلم أن عمليات الشراء هذه من قبل الصين أو اليابان ليست كافية لحل أو حتى أن تؤثر على مجريات الأمور في منطقة اليورو إذ أن حجم الأزمة يحتاج إلى أضعاف أضعاف هذه المبالغ المعلن عنها، و هذه التحركات ما هي إلا لتحقيق أغراض خاصة لكلا منهما تتعلق بدعم الميزة التنافسية من أجل التصدير.
و آخر الأرقام تشير إلى أن الصين تستحوذ على إحتياطي نقدي من العملات و الذهب ووحدات السحب الخاصة تقدر بقيمة 2.85 تريليون دولار وهو بذلك أكبر إحتياطي على مستوى العالم، وتأتي اليابان في المركز الثاني بإحتياطي قدره 1.096 تريليون دولار أمريكي. وهذا ما يمكنهم من مواصلة تحقيق أهدافهم الخاصة.