يواصل قطاع الصناعة الأمريكي عزيزي القارئ إظهار المزيد من بوادر الانكماش، تلك التي بدأها منذ مدة تقدر بأشهر، حيث صدر اليوم مؤشر نيويورك الصناعي ليشير إلى انكماش أنشطة القطاع خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر الحالي، وبأسوأ من التوقعات، الأمر الذي يفتح من جديد الباب أما توقعات إقرار جولة ثالثة من خطط التخفيف الكمي، إذا ما استمر الحال على ما هو عليه حتى نهاية الربع الثالث من العام الجاري 2011.
حيث انخفض مؤشر نيويورك الصناعي خلال تشرين الأول/أكتوبر ليصل إلى -8.48، بالمقارنة مع القراءة السابقة والتي بلغت -8.82، وبأسوأ من التوقعات التي بلغت -4.00، وذلك ما يؤكد أن أنشطة قطاع الصناعة الأمريكي شهدت تراجعاً بل وانكماشاً في الآونة الأخيرة، في ظل تباطؤ نمو الاقتصاد الأمريكي مؤخراً، مما يعيد إلى أذهان بعض المستثمرين وقوع الاقتصاد الأمريكي في مستنقع الركود مجدداً، الأمر الذي ترفضه الإدارة الأمريكية جملة وتفصيلاً.
وبالحديث عن المؤشرات الفرعية ضمن التقرير، فقد شهدنا انخفاض الأسعار المدفوعة بشكل كبير لتصل إلى 22.47 مقابل 32.61، بينما انخفضت الأسعار المقبوضة إلى 4.49، بالمقارنة مع القراءة السابقة والتي بلغت 8.70، أما الطلبات الصناعية الجديدة فقد ارتفعت بمقدار 0.16 فقط خلال تشرين الأول/أكتوبر، مقابل انخفاضها خلال أيلول/سبتمبر بمقدار 8.00، في حين ارتفعت الشحنات لتصل إلى 5.33 مقابل -12.88.
ولا بد لنا من الإشارة إلى أن الاهتمام الأكبر ينصب حول مستويات المخزونات، والتي انخفضت بحسب التقرير خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر إلى -8.99 مقابل الانخفاض السابق والمسجل عند -11.96، في حين شهدنا تراجع زمن التوصيلات إلى -1.12 مقابل الانخفاض السابق الذي بلغ -1.09، أما بالنسبة إلى أعداد الموظفين فقد تحسنت لتصل إلى 3.37 خلال تشرين الأول/أكتوبر مقابل -5.43.
كما وصدر عن القطاع الصناعي أيضاً مؤشر الإنتاج الصناعي والذي ارتفع خلال أيلول/سبتمبر بنسبة 0.2% مقارنة بالقراءة السابقة التي تم تعديلها إلى 0.0% وبتطابق مع التوقعات التي بلغت 0.2%، هذا بالإضافة إلى صدور مؤشر معدل استغلال الطاقة الذي ارتفع هو الأخر بمقدار 77.4%، بالمقارنة مع القراءة السابقة التي بلغت 77.4% والتي تم تعديلها إلى 77.3%، وبأدنى من التوقعات التي بلغت 77.5%.
وبهذا فإن قطاع الصناعة الأمريكي يواصل الانكماش في ظل المعوقات التي لا تزال تكتنف طريقه نحو التعافي، علماً بأن قطاع الصناعة الأمريكي يعد أحد أكبر القطاعات التي تدعم مستويات النمو في الاقتصاد الأمريكي، إلا أن الأوضاع الاقتصادية بالمجمل لا تزال ضعيفة ضمن الاقتصاد الأكبر في العالم، ذلك بأن معدلات البطالة تقف عند المستويات الأعلى لها منذ حوالي ربع قرن من الزمان، ناهيك عن تشديد شروط الائتمان، مما يثقل كاهل قطاع الصناعة، بل والاقتصاد بشكل عام.
ولكن المعوقات التي تلتف طريق التعافي ضمن الاقتصاد الأمريكي لم تقف عند ذلك الحد، بل شهد الاقتصاد الأمريكي مؤخراً ظهور مشاكل اقتصادية جديدة، تمثلت في ارتفاع عجز ميزانية الولايات المتحدة، ناهيك عن ارتفاع مديونيتها، الأمر الذي أفقد الولايات المتحدة الأمريكية تصنيفها الائتماني الأعلى في العالم منذ العام 1917م.
وهنا نؤكد على أن "أوضاع التشديد الائتماني" دفعت البنوك إلى تضييق الشروط للحصول على قروض سواءً كانت للمستهلكين أو للشركات، مما أثقل كاهل قطاع العمالة الذي يحاول جاهداً تحقيق الاستقرار ليلحق بالركب ويدعم عجلة النمو في الاقتصاد الأمريكي، علماً بأن موضوع تشديد شروط الائتمان يثقل كاهل مستويات الإنفاق بشكل عام، في الوقت الذي تشكل مستويات الإنفاق فيه ثلثي الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة الأمريكية.
أخيراً وليس آخراً، فإن نوعاً من الضباب الخفيف يكتنف مستقبل الاقتصاد الأمريكي في الفترة المقبلة، فإذا ما استمر الحال على ما هو عليه، سيكون حتماً على البنك الفدرالي الأمريكي إقرار جولة ثالثة من خطط التخفيف الكمي، مع غض الطرف عن مستويات التضخم بشكل مؤقت، وذلك لدعم الاقتصاد الأمريكي في الخروج من الأزمة المالية الأسوأ منذ عقود، مع العلم بأن التوقعات تشير إلى أن معدلات البطالة ستبقي ضمن المستويات الأعلى لها منذ 26 عام، إذ أنها الآن تقف عند 9.1%، فهل سيستمر الوضع على ما هو عليه حتى نهاية الربع الثالث؟ وحدها الأيام والبيانات الأمريكية كفيلة بالرد على ذلك السؤال.