صوتت لجنة السياسة النقدية البريطانية خلال اجتماع يومي الثالث و الرابع من الشهر الحالي بالإجماع لإبقاء معدل الفائدة المرجعي عند مستويات 0.50% الأدنى منذ تأسيس البنك، و على إيقاف ضخ السيولة للأسواق المالية عن طريق السياسة المالية الغير اعتيادية، بعد تصاعد موجة التفاؤل بأن معدلات التضخم في الأراضي البريطانية ستعاود الاستقرار حول المستويات المستهدفة.
نشرت تفاصيل اجتماع اللجنة اليوم و التي أكدت بأن التوقعات المستقبلية للمعدلات التضخم لا تتضمن مخاطر انخفاض المستويات دون مستويات 2.0%، مما لا يستدعي الحاجة لإجراء أي تعديلات بالسياسة النقدية الراهنة، إلا أن ما يؤرق اللجنة في الوقت الراهن ارتفاع معدلات التضخم في المملكة المتحدة فوق مستويات 3.0%.
ارتفع معدل التضخم خلال كانون الثاني ليسجل أعلى مستويات منذ أكثر من عام عند مستويات ليسجل مستويات 3.5% مما استدعى أمس الحاجة للرسالة التوضيحية للسيد كينغ، في حين تتوقع اللجنة بأن هذا الارتفاع بمستويات التضخم سيكون مؤقتا و الضغوط التضخمية خلال الفترات القادمة ستكون منخفضة.
حصل ما لم يكن بالحسبان فبعد أن قام البنك المركزي البريطاني بتوسيع نطاق سياسة شراء السندات الحكومية بقيمة 125 بليون جنيه بعد أن كانت القيمة الأساسية التي بدأ بتطبيقها 75 بليون جنيه في شباط الماضي ارتفعت معدلات التضخم لمستويات حرجة جدا، و على الرغم من هذا إلا أن البنك المركزي يرى بأن المعدلات ستعاود الانخفاض للمستويات المسيطر عليها، و لكن إذا لم يحدث ذلك فأن البنك المركزي البريطاني ستعرض مصداقيته للمساءلة و الشكوك.
أظهرت أجندة الاقتصادية اليومية معدل ILO للبطالة عن الثلاثة أشهر المنتهية في كانون الأول متوافقا مع التوقعات و القراءة السابقة مسجلا نسبة 7.8% في حين سجل متوسط الدخل متضمنا المكافآت للثلاثة أشهر المنتهية في كانون الأول نسبة 0.8% متوافقا بذلك مع القراءة السابقة المعدلة إلى 0.8% من 0.7% بينما جاء أدنى قليلا من التوقعات التي كانت بنسبة 0.9%, أما بالنسبة لمتوسط الدخل غير المتضمن المكافئات فقد ارتفع إلى 1.2% ليأتي بأعلى من التوقعات التي كانت بنسبة 1.1%, فيما تم تعديل القراءة السابقة إلى 1.2% من 1.1%.
ارتفع التغير في طلبات الإعانة عن شهر كانون الثاني إلى 23.5 ألف طلب بعد أن كان متراجعا بعدد 9.6 ألف طلب للقراءة السابقة المعدلة فيما كانت التوقعات تشير إلى تراجع عدد الطلبات إلى 10.00 ألف طلب.
أن هذا الارتفاع الغير متوقع بمعدلات البطالة- طلبات الإعانة- في بريطانيا خلال كانون الثاني يعد نتيجة لاحقة لما خلفته أسوا أزمة اقتصادية ضربت الاقتصاد البريطاني منذ عام 1958، و جاء بعد أن استطاع الاقتصاد خلال الربع الماضي الخروج من دائرة الركود الاقتصادي ليسجل الناتج المحلي الإجمالي نموا بما نسبته 0.1%.
تشير العديد من التوقعات لاستمرار ارتفاع معدلات البطالة و هذا بدوره سيكون له الآثار السلبية على الانجازات التي حققها الاقتصاد البريطاني خلال الفترة الماضية، و من المحتمل أن يعرض قراءة الناتج المحلي السابقة للتعديل للمستويات السالبة، و العودة لمرحلة الركود التي كافح كثيرا للخروج منها.
قامت العديد من المؤسسات و المصانع و البنوك بتقليص عدد العاملين لديها لتخفيض التكاليف بعد الخسائر الفادحة التي تكبدتها خلال العام الماضي، و هذا ما قلص من مستويات الإنفاق الاستهلاكي لدى البريطانيين على الرغم من قيام المؤسسات بتخفيض أسعار المنتجات لجدب المستهلكين إلا أن هذه المساعي باءت بالفشل، حيث يميل الأفراد في مرحلة الركود الاقتصادي و ارتفاع معدلات البطالة لادخار ما لديها من نقد خوفا من عدم الحصول على غيره، و هذا ما يعرقل الدورة الإنتاجية كاملة.
أن ارتفاع معدلات البطالة في المملكة المتحدة ليس العائق الوحيد، بل أن هنالك التوسع الحاد فيا العجز بالميزانية العامة بعد أن ارتفعت الديون الحكومية لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي شلت حركة جميع القطاعات الاقتصادية، و هنالك أيضا ضيق القيود الائتمانية فالا تزال البنوك متخوفة من عمليات الإقراض.
عزيزي القارئ، أن المعطيات الراهنة من ارتفاع معدلات البطالة و مستويات التضخم مع مستويات نمو ضعيفة تزيد من مخاوفنا من عدم قدرة صانعي القرار من السيطرة على الأوضاع الاقتصادية و تكرار ما حدث في الثمانينيات عند وقعت الاقتصاديات بأسوأ أنواع الركود الاقتصادي و هو الركود الاقتصادي ذو قاعين (W).