تعتبر سويسرا ملاذاً آمنا في العالم لتهريب اموال المستثمرين وايداعها في المصارف السويسرية الكبرى من دون تحديد هويتها، بدقة,لكن في الوقت الحاضر، تتدفق رؤوس الأموال الى سويسرا عن طريق سبائك الذهب وسيولة مالية تعجز مؤسسة "سويفت" البلجيكية، المشرفة على التدقيق في مصادر سائر التحويلات المصرفية العالمية، عن تعقبها.
هكذا، يؤكد الذهب للجميع أنه قادر على التنكر بألبسة مختلفة لصالح المستثمرين، بعيداً كل البعد عن رقابة السلطات الضريبية والسياسية، حول العالم. في فصل الصيف الفائت، زاد تدفق رؤوس الأموال، من دول اليورو، بنسبة 30 الى 40 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2010.
بالطبع، تحتل سبائك الذهب دوراً قيادياً في هذا التدفق بما أن قلق المستثمرين الدولييين حول مصير دول اليورو الجنوبية لم يتوقف بعد. يكفي مثلاً النظر الى أداء الذهب، في عام واحد فقط، لنرى أن أدائه، لناحية السعر، قفز أكثر من 141 في المئة وأكثر من 157 في المئة، في شهري أغسطس(آب) وسبتمبر(أيلول) الفائتين مقارنة بالفترة نفسها من عام 2010.
من جانبه، يشير الخبير كريستوف غوبسر الى أن أكثر من 13 طناً من سبائك الذهب تدفقت الى سويسرا في الشهور الثلاثة الأخيرة. وهذه ضعف الكمية التي تدفقت قبل عام. وتعتبر فروع المصارف السويسرية الحدودية الأكثر احتضاناً لسبائك الذهب هذه. اذ يكفي استئجار صندوق مشابه للصندوق البريدي، لدى هذه الفروع، مقابل دفع رسوم شهرية أم سنوية، لايداع أسرار المستثمرين داخلها. ومن اللافت في الأمر أن الأسماء العربية تتكاثر بسرعة في قائمة هذه الصناديق. علماً أن عمليات شراء سبائك الذهب يتم معظمها، خارج سويسرا، ربما، وفق تصريح هذا الخبير، لأسعار الشراء المغرية في الخارج وعلى رأسها هولندا وايطاليا.
في سياق متصل، أيضاً، تضيف الخبيرة ميشيل باخمان، في تصريح لها مع أن ثورات الربيع العربي عززت انتقال رؤوس الأموال، ببلايين الفرنكات السويسرية، الى خارج المنطقة العربية. بالطبع، لا تتدخل حكومة برن مباشرة في هذا الموضوع. فالأمر متروك لقرار المصارف السويسرية الموافقة على فتح حساب مصرف أم رفضه. في مطلق الأحوال، تعزز عدد الحسابات المصرفية المشفرة التي يحمل أصحابها هوية عربية مصدرها مصر وليبيا واليمن وغيرها من الدول المجاورة.
علاوة على ذلك، تنوه الخبيرة باخمان بأن العملاء العرب يبتعدون عن ايداع أموالهم أو ذهبهم في المصارف السويسرية الكبرى. في الوقت الحاضر، يلجأ هؤلاء العملاء الى مصارف متوسطة الحجم أو أخرى أجنبية، لها فروع بسويسرا وتشرف على ادارة الأصول حصراً.
في ما يتعلق بالمبالغ المودعة في هذه المصارف فانها تتراوح بين نصف مليون وخمسة ملايين فرنك سويسري. وتتعدى أحياناً الـ25 مليون فرنك سويسري. هذا وتعتقد الخبيرة أن ثورة الربيع العربي دفعت الكثير من السياسيين ورجال الأعمال العرب الى توخي الحذر واتخاذ الاحتياطات الضرورية للدفاع عن ثرواتهم المالية المتراكمة. في مطلق الأحوال، تعمل هذه الاجراءات، بصرف النظر عن حسناتها وسيئاتها، على توليد حركة أموال تحسدها عليها الأسواق المالية الدولية! فهي لا تعرف الأزمة، أبداً، لا بل هي تميل، في العام القادم، الى مزيد من رؤوس الأموال التي ستتدفق على الدولة الحيادية الوحيدة، بأوروبا، لناحية نظامها المصرفي والضريبي، أي سويسرا.