استقبلت مؤشرات الأسهم الأمريكية أسبوعها الحالي بانخفاض حاد، حيث انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة قاربت 2.5 بالمئة، تماماً كما انخفض مؤشر الداو جونز الصناعي بنسبة قاربت 3 بالمئة، وذلك بسبب اجتياح المخاوف الأمريكية والأوروبية للأسواق المالية، الأمر الذي قاد المستثمرين للبحث عن ملاذات آمنة، وسط ابتعادهم عن المخاطرة بشكل عام.
وقد تشكلت تلك الحالة في البدء إثر توارد البيانات عن فشل صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية في التوصل لاتفاق حول إجراءات لخفض عجز الميزانية، والتي تتضمن تخفيض الإنفاق الحكومي بقيمة 1.2 تريليون دولار أمريكي خلال الأعوام العشر المقبلة، وبالتالي يبقى الباب مشرعاً أمام تخفيضات إئتمانية أخرى للولايات المتحدة الأمريكية.
حالة التخوف تلك لم تتشكل إثر ذلك فحسب، بل إن فشل صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية في التوصل لاتفاق حول خطط لخفض عجز الميزانية سيقود ارتفاعاً لمديونية الولايات المتحدة الأمريكية، الداخلية منها والخارجية، مما يشكل ضغطاً هائلاً على الاقتصاد الأمريكي في حال تعرضه لتخفيض جديد في تصنيفه الائتماني.
ولا بد لنا من الإشارة إلى أن حالة القلق والتخوف تأتي في ظل اقتراب انتهاء المدة المحددة للجنة العليا والموكلة بتخفيض عجز الميزانية الأمريكية، حيث حدد يوم الأربعاء القادم موعداً نهائياً لقيام اللجنة برفع توصياتها لمكتب الميزانية والتابع للكونغرس الأمريكي، إلا أن المؤشرات تدلل على أن أعضاء اللجنة والبالغ عددهم 12 عضواً عن الحزبين الجمهوري والديمقراطي سيعلنون اليوم عقب إغلاق أسواق الأسهم الأمريكية عن فشلهم في التوصل لأرضية مشتركة لرفع توصيات لمكتب الميزانية.
العواقب الوخيمة التي سيوجهها الاقتصاد الأمريكي بسبب ذلك كثيرة، حيث من المحتمل أن تقوم المؤسسات الائتمانية مثل موديز وفيتش بتخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، ومن المحتمل أيضاً أن تقدم تلك المؤسسات على تخفيض النظرة المستقبلية للاقتصاد الأمريكي لتصبح "سلبية" مقابل "مستقرة".
وهنا نؤكد على أن سندات الخزانة الأمريكية شهدت ارتفاعاً في تعاملات اليوم، إلا أن الأسهم شهدت انخفاضاً حاداً قارب الـ 3 بالمئة، كما وانخفضت أسعار السلع الأساسية والعملات ذات العائد المرتفع، وذلك وسط إقبال المستثمرين على العملات ذات العائد المتدني بصفتها ملاذات آمنة، وعلى رأسها الدولار الأمريكي.
يذكر بأن مؤسسة ستاندرد آند بورز كانت قد خفضت التصنيف الائتماني للولايات المتحدة الأمريكية في الخامس من آب/أغسطس الماضي، لتفقد الولايات المتحدة بذلك تصنيفها الائتماني الأعلى في العالم منذ العام 1917 م، والذي كان مسجلاً عند AAA وبواقع درجة واحدة، بسبب ارتفاع مديونيتها وارتفاع عجز ميزانيتها، الأمر الذي دفع صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك لرفع سقف الديون، نظراً لتخطي المديونية الأمريكية للسقف المسموح به هناك.
وعلى ما يبدو فإن الخلاف السياسي بين القطبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة يواصل التأثير على الاقتصاد بشكل أو بآخر، علماً بأن الاقتصاد الأمريكي يمر في الوقت الحالي بفترة دقيقة، وسط استمرار أزمة الديون الأوروبية في الهيمنة على الواجهة الاقتصادية، مما يعيد إلى الأذهان صورة دخول منطقة اليورو في دائرة الركود مجدداً في العام المقبل، ناهيك عن استمرار المعوقات أمام عجلو التعافي الأمريكية والمتمثلة في ارتفاع معدلات البطالة وتشديد شروط الائتمان، وبالتالي سيكون تأثير ذلك على الاقتصاد العالمي ذو عواقب وخيمة.
حالة التخوف والقلق لم تقتصر اليوم على ذلك، وبالأخص في ظل استمرار مخاوف أزمة الديون الأوروبية في الهيمنة على الأسواق المالية، عقب إطلاق مؤسسة موديز للتصنيفات الائتمانية اليوم الاثنين تحذيرات بشأن التصنيف الائتماني لفرنسا -ثاني أكبر اقتصاديات منطقة اليورو-، مما نشر حالة من التخوف على نطاق واسع.
هذا وقد حقق مؤشر الداو جونز الصناعي انخفاضاً بواقع 325.82 نقطة أي 2.76% ليصل إلى 11470.34 نقطة، أما مؤشر ستاندرد آند بورز 500 فقد انخفض 30.34 نقطة أي بنسبة 2.50% ليصل إلى 1185.31 نقطة، في حين انخفض مؤشر الناسداك المجمع بواقع 65.90 نقطة أي 2.56% ليصل إلى 2506.60 نقطة. (البيانات مسجلة في تمام الساعة 12:31 بعد الظهر بتوقيت نيويورك).
وقد شهدنا اليوم ارتفاع مؤشر الدولار والذي يقيس أداء الدولار مقابل ست عملات رئيسية بما فيها اليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني، ليتداول حاليا عند مستويات 78.17 منذ افتتاح تداولاته عند مستويات 77.97، محققا أعلى مستوى له خلال اليوم عند 78.52 ومحققا أدنى مستوى له خلال اليوم عند 77.97.
أما الذهب فقد شهد انخفاضاً على الرسم البياني اليومي خلال الفترة الحالية ليتداول حالياً عند 1671.81 دولار أمريكي للأونصة، منذ افتتاح تداولاته عند 1720.11 دولار أمريكي للأونصة، أما النفط فقد انخفض هو الآخر في تداولات اليوم بسبب ارتفاع الدولار الأمريكي ليصل إلى 96.16 دولار أمريكي للبرميل، منذ افتتاح تداولاته عند مستويات 97.46 دولار أمريكي للبرميل.