روما/باريس، 27 ديسمبر/كانون أول (إفي): مر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلسكوني في عام 2010 بواحدة من أصعب السنوات في مشوارهما السياسي، حيث كان كل منهما محورا لعدد من الأزمات التي قوضت كثيرا من زعامتهما وتركت حكومتهما في حالة من التخبط.
فقد بدا ساركوزي محاصرا خلال العام باحتجاجات واسعة النطاق ضد نظام إصلاح المعاشات التقاعدية، والفضائح المرتبطة بالمليارديرة ليليان بيتانكور، فيما فلت برلسكوني من تصويت لحجب الثقة عن حكومته بثلاثة أصوات، وزخرت صفحات الصحف الايطالية بالعديد من الحكايات عن فضائحه الجنسية.
ففي فرنسا، دفعت المظاهرات الحاشدة التي ملأت الشوارع لعدة أشهر اعتراضا على تأخير سن التقاعد من 60 إلى 62 عاما، ساركوزي إلى إجراء تعديل بحكومة رئيس الوزراء فرنسوا فيون، بعد أن ظل الأمر مثار تكهنات لعدة أشهر بعد تزايد الأزمات داخلها.
وبالتزامن مع مقاومة الفرنسيين لإصلاح قانون المعاشات التقاعدية، تعرضت باريس لحرج دولي على مدار أسابيع عدة بسبب الطرد الجماعي لغجر رومانيا وبلغاريا الذين تم ترحيلهم قسرا من مخيمات ضواحي باريس وغيرها من المدن الفرنسية رغم تمتعهم بحقوق المواطنة الأوروبية.
وقد ساهم غضب بعض العواصم الأوروبية حيال هذا الإجراء في رسم صورة لساركوزي أقرب إلى الألمان الذين غزوا باريس إبان الحرب العالمية الثانية، ما ألقى بالشكوك حول جدارة الرئيس بتجسيد القيم الحقيقية للجمهورية الفرنسية.
وما زاد الطين بله، بالإضافة إلى مشاركة سيدة فرنسا الأولى كارلا بروني في فيلم لوودي آلن، يعرض العديد من المشاهد الحياتية البسيطية التي يمكن تخيلها، فضيحة وقعت الصيف الماضي وكان لها تداعيات سياسية عالية المستوى.
فقضية المليارديرة ليليان بيتانكور البالغة من العمر 87 عاما ووريثة مؤسسة لوريال العريقة لمستحضرات التجميل، حازت على اهتمام كبير استمر لأشهر في قصر الإليزية، بعد أن تحول نزاع عائلي بين أكثر إمرأة ثراء في أوروبا وابنتها الى سلسلة من الاتهامات طالت الرئيس والحكومة بأكملها.
ومع استمرار التحقيقات في القضية وما أثارته فيما يشتبه بأنها مجاملات ضريبية وغسيل أموال وصراع مصالح داخل الحكومة، اعترف وزير العمل الفرنسي اريك ويرت المقرب للغاية من ساركوزي بالتدخل لأجل حصول مدير ثروة بيتانكور على لقب مرموق.
وبعد إتمامه لمهمة الدفاع عن نظام إصلاح المعاشات أمام البرلمان، أفل نجم ويرت، وخرج من الحكومة في التعديل الوزاري، وتمت تسوية المنازعات المرتبطة بقضية بيتانكور، لكن الفضيحة قد يكون لها تداعياتها السياسية عليه وعلى ساركوزي.
كما أظهرت الوثائق التي سربها موقع "ويكيليكس" انطباعات غير محببه للدبلوماسيين الأمريكيين عن الرئيس الفرنسي ووصفته بأنه "سلطوي" و"شديد الحساسية"، وهي الكلمات التي تعين على ساكن الإليزية تحملها في تلك الأشهر "العجاف" مثلما اضطر لقبول الصورة التي نشرتها مجلة "الإيكونومست" مؤخرا وظهر فيها على شكل ساقين صغيرتين فقط تغطيهما قبعة نابليون وتتقدمهما كارلا بروني بقامتها الباسقة.
لكن الرئيس الفرنسي التي تدنت شعبيته (25%) لمتسويات تاريخية قبل عام ونصف من الانتخابات الرئاسية، يأمل أن تعيد له رئاسة قمة مجموعة العشرين عام 2011 دوره القيادي على الساحة الدولية.
ويسعى لأن يكون في المهمة الجديدة طوق النجاة من المشكلات التي تحيطه في الداخل والمفتاح نحو انتخابه في 2012 وأن تعيد تسليط الضوء على دور فرنسا في التعامل مع الأزمات العالمية، مثلما بدأ فترة ولايته بتوليه الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي.
ولم يكن عام 2010 مختلفا كثيرا بالنسبة لرئيس الوزراء الايطالي، فرئيس مجلس النواب جيانفرانكو فيني الذي كان بالأمس من المقربين لبرلسكوني بات في عام 2010 من ألد خصومه إلى حد أن طالبه بتقديم استقالة لا رجعة فيها من رئاسة مجلس الوزراء، وساند محاولة للمعارضة لسحب الثقة من الحكومة.
وكانت المعركة بين جيانفرانكو (بولونيا،1952) والزعيم السابق للتحالف الوطني، وبرلسكوني (ميلان،1963) خرجت من الظلام إلى النور في 22 من يوليو/تموز 2010 خلال انعقاد مؤتمر حزب شعب الحرية الحاكم الذي اشترك كلاهما في تأسيسه في مارس/آذار عام 2009.
وتابع المشاهدون للمؤتمر على التلفاز مباشرة، برلسكوني يخاطب فيني قائلا :"إذا كنت ترغب في إحداث (أزمة) سياسية، فتقدم باستقالتك من منصبك، ونحن سنستقبلها بأذرع مفتوحة".
وتم طرد فيني من الحزب الحاكم في 29 من يوليو/تموز لكنه احتفظ بمنصبه رئيسا لمجلس النواب.
وتركزت انتقادات رئيس مجلس النواب على السياسة التي تنتهجها الحكومة في الهجرة واقتراح بتعديل قانون المحاكمات من شأنة حماية برلسكوني من قضيتين لم يبت في شأنهما.
كذلك فإن الدعوة التي وجهتها رئيسة اتحاد الصناع، ايما مارسيجاجليا، إلى الحكومة للبحث عن حل لانقاذ المؤسسات "من الشلل" وتنديدها بعدم وجود "مبادرة اقتصادية" في الاوقات المالية الصعبة، كانت بمثابة "شدة أذن" للطبقة السياسية في ايطاليا.
ولم يكن رئيس الحكومة الإيطالية هو الآخر بمنأى عن هجوم وثائق "ويكيليكس"، بعد أن أشارت إليه إحدى البرقيات بانه "ضعيف جسديا".
وواصلت الصحف الإيطالية تسليط الضوء على الموسم الثاني من مسلسل "فضائح برلسكوني الجنسية"، رغم أن كثيرين توقعوا أن يخفف رئيس الوزراء من أنشطته المثيرة للجدل بعد الكشف عن مغامراته العام الماضي وما تردد عن استضافة حفلاته لقاصرات، والذى انتهى الفصل الاول فيه بانفصاله عن زوجته الثانية فيرونيكا لاريو.
أما بطلة مغامرات عام 2010 فكانت فتاة مغربية تعرف باسم "روبي" قالت في مقابلة مع صحيفة إيطالية في مايو/آيار 2010 انها كانت ضمن 10 فتيات صغيرات مدعوات في حفل أقامه برلسكوني في مقر إقامته بمدينة ميلانو في فبراير/شباط من نفس العام.
وذكرت وسائل الإعلام المحلية أن رئيس الحكومة تدخل للإفراج عنها أثناء اعتقالها بتهمة السرقة، وهو ما اعتبرته المعارضة استغلالا للسلطة للتأثير على سير العدالة.
واستمرت شعبية برلسكوني في التدهور على مدار العام من 39% في سبتمبر/أيلول إلى 37% في أكتوبر/تشرين أول حتى بلغت أدنى مستوياتها 35% في نوفمبر/تشرين ثان الذي أعلنت فيه المعارضة عن اقتراع الثقة ضد الحكومة، والذي كان بحاجة لثلاثة أصوات فقط للإطاحة برئيس الوزراء.
ويرى محللون أنه رغم نجاة برلسكوني من اقتراع حجب الثقة، إلا أن أحدا لا يمكنه أن يستمر في حكم دولة بمثل هذه الأغلبية الضئيلة لفترة طويلة.(إفي)