العرائش (المغرب)، 16 أبريل/نيسان (إفي): تحتفي مدينة العرائش المغربية بذكرى إقامة الأديب جين جينيه، أحد أيقونات الأدب الفرنسي، على أراضيها بعد 25 عاما من رحيله، في الخامس عشر من أبريل عام 1986.
يشار إلى جينيه، صاحب روايات "يوميات لص" و"الأسير العاشق" عن القضية الفلسطينية، رحل في هدوء بأحد بنسيونات باريس المتواضعة عن عمر يناهز 76 عاما، إلى جوار حقيبته، مسدلا الستار على حياة مثيرة للجدل.
و لاتزال ذكرى جينيه حية في أذهان من عرفوه في العرائش، حيث كان يتجول في ضواحيها ويجلس على مقاهيها، انسان عادي بسيط، لا يحب أن يعامله أحد بغير ذلك.
في تصريحات لوكالة (إفي) يقول الكاتب المغربي محمد صيباري، الذي عرف جينيه في طنجة، ثم في العرائش "كان جينيه أنسانا بسيطا وحساسا، يحب الحديث والندوات، ويمقت جذب الأنظار".
ويتذكر الكاتب المغربي "في الأماسي كان يقول لي هيا نتجول في الميناء، فنقطع الطريق عبر المدينة، حتى نصل إلى كورنيش المدينة المطلة على المحيط الأطلنطي".
أما حسن الإدريسي مدير "Maison Haute" أو (بنسيون الصيف) بمدينة العرائش، فيؤكد أن الأديب والشاعر والروائي والمسرحي "كان يجوب شوارع المدينة مرتديا ثيابا بسيطة، وبقلم مثبت خلف إحدى أذنيه"، موضحا "كان من السهل العثور عليه في أي مكان وفي أي ساعة من ساعات اليوم".
يقول الإدريسي "كان حرا مثل الطيور ينام في أي مكان في محطة الأتوبيس، في الحمام العربي في الميناء أو في أي مكان تثقل في جفونه".
ولا تزال آثار إقامة جينيه حاضرة في جادة الحسن الثاني، خاصة مكتبة (دميان)، التي أهداها إحدى رواياته ووقع الإهداء بنفسه، فيما يؤكد المسئولون عنه أنه كان شخص متواضع وغاية في الساطة، وأنهم لم يكونوا يعتقدون أنه يحظى بكل هذه الشهرة حتى وفاته.
بالقرب من المكتبة على كورنيش الطريق البحري، يقع المنزل الذي اشتراه جينيه من صديقه ورفيقه العاطفي المغربي محمد القطراني، وعلى بعد خطوات منه توجد المقبرة الإسبانية التي دفن بها الأديب الفرنسي حسب وصيته.
يشار إلى أن جينيه ولد في باريس في التاسع عشر من ديسمبر/كانون أول 1910 تحت وصاية المؤسسة العامة لرعاية اللقطاء، ولم يستطع التوصل إلى معرفة شيئ عن أصله حتى بلغ الحادية والعشرين وعرف من شهادة ميلاده، أن اسم والدته كان "جابرييل جينيه" والأب مجهولا.
هذا النسب الملتبس وعدم التأكد من أصله سمح له أن يفسره على هواه، مضيفا إليه خصوصية تعاساته، شعر بالفعل وهو مهجور من العائلة أن من الطبيعي أن يكون ناقما على الوضع، وتجلت نقمته هذه بتفضيله للغلمان وقاده ذلك إلى السرقة، ثم طريق الجريمة في تعبير مطلق لرفضه منذ البداية للعالم الذي لم يعترف به.
في سيرته الشخصية "يوميات لص" يعترف جينيه أنه لم يكتب إلا ما اعتنقه سلوكا ومذهبا في الحياة، وما أعتقده موقفا إيجابيا منصفا لقضايا المشردين واللاجئين والمنبوذين المضطهدين، ليبرز في كل كلمة أن الأطراف المتعارضة لها المشاعر نفسها، ويثبت أن الشر شعور موحد لدى الجميع، وقاسم مشترك بين جميع الأطراف المعنية بالصراع.
والتزاما منه بقضايا التفرقة والظلم، اتجه جان جينيه إلى الشرق الأوسط ليحيا مع الفلسطينين في مخيماتهم، وشاهد موت الأطفال جوعا أمام أمهات منكسرات ضعيفات في غيبة رجال مناضلين، وقدم للنشر قبل وفاتة سنة 1986 مؤلفه الضخم عن الثورة الفلسطينية تحت عنوان "الأسير العاشق" ليصدرعن دار "جاليمار" في فرنسا.
وترجع شهرة جينيه للكتاب الذي ألفه عنه "جان بول سارتر" "ممثلا وشهيدا"، وهو عمل ملحمي في 690 صفحة، حيث يرى الفيلسوف الفرنسي الوجودي في "جينيه" الشخصية الوجودية الكاملة، من لقيط في ملجأ، إلى شريد لص، إلى سجين هارب، وقد التمس له "سارتر" العفو مرة لدى رئيس الجمهورية.
أمضى جان جينيه متشردا في بلاد العالم، وسجن في كل بلد من بلاد جنوب أوروبا التي زارها تقريبا، وبعد عشرة أحكام بالسجن في فرنسا وحدها، حكم عليه بالسجن مدى الحياة، ما جعل وفدا من كبار كتاب فرنسا، وعلى رأسهم جان بول سارتر وجان كوكتو وآندريه جيد يوجهون عريضة التماس إلى رئيس الجمهورية للإفراج عنه عام 1947.
من أبرز إبداعاته في المسرح: "رقابة مشددة" (1948)، "الخادمتان" (1950)، "الشرفة" (1957)، "السود" (1960)، "الستارات" (1961)، وفي الرواية: "سيدة الزهور" (1947)، "شجار بريست" (1953)، "طقوس الجنازة" (1969)، وفي المذكرات: "يوميات لص" (1949)، وفي الشعر ديوان واحد عام (1945)، وكتابه الأخير "الأسير العاشق" (1986)، الذي أطلق به صرخة التمرد الأخيرة على سكوت العالم عن ضياع القضية الفلسطينية. (إفي)