جوبا (السودان)، 9 يناير/كانون ثان (إفي): فتحت مراكز الاقتراع أبوابها اليوم الأحد أمام قرابة أربعة ملايين ناخب من سكان جنوب السودان للإدلاء بأصواتهم في استفتاء تاريخي لتقرير مصيرهم للانفصال عن الشمال وإقامة دولتهم المستقلة، وسط توقعات باختيار قرار الاستقلال.
ويأتي هذا الاستفتاء، الذي يستمر حتى 15 من الشهر الجاري، بموجب اتفاق السلام، المبرم في التاسع من يناير/كانون ثان من عام 2005 ، بين حكومة الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان، والذي أجبر شمال وجنوب البلد العربي على الاشتراك في الحكومة والأراضي الوطنية والممتلكات والعلاقة مع المواطنين.
وقد أنهى هذا الاتفاق حربا أهلية امتدت لـ20 عاما بين الشمال الذي يعتنق سكانه الإسلام والجنوب الذي يقطنه أغلبية مسيحية، وهو ما اعتبر زواجا قسريا عقدته الدول الاستعمارية بين شقي البلاد، عندما رسمت حدود السودان بغض النظر عن الهويات العرقية والدينية لسكانه.
وتظهر كل المؤشرات أن الاستفتاء سينتهي بتأييد الانفصال، إذ أن المشاركين به من سكان الجنوب فقط، الذي كثيرا ما يشعرون بوجود تمييز ضدهم، وبالاستياء من رغبة حكومة الخرطوم في تطبيق الشريعة الإسلامية على جميع أنحاء البلاد.
وسيراقب عملية التصويت 17 ألف مراقب محلي وألف و200 مراقب دولي.
وتشمل أوراق الاقتراع خيارين، هما الوحدة، ويرمز له بيدين متصافحتين، والانفصال ويرمز له براحة يد تشير لوضع التوقف.
وسيتم يوميا فرز الأصوات التي تم الإدلاء بها في صناديق الاقتراع، وسيتم رفع البيانات إلى مراكز الفرز.
وسيتولى مكتب استفتاء الجنوب الاعلان عن النتائج المبدئية، التي سيتم التصديق عليها نهائيا من قبل لجنة استفتاء الجنوب، بعد مراجعة كل الطعون المقدمة.
وقد أدلى رئيس حكومة جنوب السودان سلفا كير بصوته في الاستفتاء واصفا هذه العملية بأنها "لحظة تاريخية".
وأدلى كير بصوته في مدينة جوبا، جنوبي السودان، في ضريح جون قرنق، الذي تزعم الحركة الشعبية لتحرير السودان ولقي مصرعه عندما تحطمت مروحيته في 30 يوليو/تموز 2005 عندما كان عائدا من أوغندا.
وكان برفقة كير لدى إيداعه صوته رئيس مكتب استفتاء جنوب السودان شان ريد مادوت.
وقام كير بعد ذلك، بتحية الناخبين والصحفيين الموجودين في المكان رافعا يده ومظهرا إصبعه السبابة الملطخ بحبر التصويت.
وفي رسالة مقتضبة، وجه رئيس حكومة الجنوب نداءه لقوات الأمن حتى يقوموا بحماية مراكز التصويت والناخبين وكافة الأجانب الموجودين بالمكان.
كما طالب الناخبين بالتحلي بالصبر، بحيث في حالة ما لم يتمكنوا من الإدلاء بأصواتهم اليوم، سيصوتون في الفترات الأخرى المخصصة لعملية التصويت الممتدة حتى 15 من الشهر الجاري، وذلك على الرغم من أنه أدلى بصوته بعد ثمانية دقائق فقط من فتح مراكز الاقتراع.
وأشاد كير أيضا في كلمته بجون قرنق وكافة المناضلين من أجل استقلال جنوب السودان خلال الحرب مع الشمال على مدار عقدين.
يذكر انه لا تزال هناك العديد من القضايا العالقة التي ينبغي على كل من الحركة الشعبية لتحرير السودان، التي تحكم جنوب البلاد منذ اتفاقية السلام، وحكومة الرئيس السوداني عمر البشير، حسمها في حال الانفصال.
وتتمثل واحدة من هذه الأمور في جنسية سكان الجنوب، ومن بين الاحتمالات التي يتم التفاوض عليها بهذا الشأن تبرز إمكانية اختيار كل مواطن للجنسية التي يفضلها، مع العلم بان حزب البشير طالب بتجريد سكان الجنوب من جميع حقوقهم في الشمال، حال انفصالهم.
كما ينبغي تحديد مسئوليات الأمن، الموزعة حاليا بين جيش السودان في الشمال، والذراع العسكرية للحركة الشعبية لتحرير السودان في الجنوب، بيد أن هنالك مليشيات موالية للحركة الشعبية في شمال الحدود الفاصلة، وثكنات للجيش بالجنوب.
وعلى الصعيد الاقتصادي، وضع الشمال والجنوب خلال الأعوام الستة الماضية مستويات من الثقة للاتفاق بشأن حقول النفط، التي يقع أغلبها في الجنوب، في حين أن الخام يتم تكريره في الشمال، وتصديره عبر موانئ شمالية.
ولم تتم بعد مناقشة ما سيحدث في حالة رغبة الجنوب في إطلاق عملة جديدة، وكيفية التعامل مع الأموال المتداولة بالجنيه السوداني في الجنوب، وتسديد ديون الدولة.
وإذا ما أسفر الاستفتاء عن الانفصال، فإن جنوب السودان سيصبح أول دولة تولد بالقرن الجاري في أفريقيا منذ انفصال إريتريا عن أثيوبيا في 1993. (إفي)