عقد المركز المصرى للدراسات الاقتصادية بالتعاون مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، اليوم الأربعاء، ندوة بعنوان: “كيف يتحقق الإصلاح الاقتصادي على أرض الواقع؟”، لمناقشة التقرير الصادر عن المنظمة حول هذا الموضوع، وناقشت الندوة ثلاثة أسئلة محورية تتعلق باحتوائية النمو واستدامته، وتعزيز شفافية وكفاءة القطاع العام بمفهومه الواسع، بالإضافة إلى بناء بيئة جاذبة للاستثمار وتنمية القطاع الخاص، وهى محاور أساسية بدونها لا يتحقق الإصلاح الاقتصادي على أرض الواقع، وذلك بحضور نخبة من المسئولين الحكوميين والخبراء الفنيين والسفراء وممثلي القطاع الخاص والمجتمع المدني.
وقال عمر مهنا رئيس مجلس إدارة المركز المصرى للدراسات الاقتصادية في افتتاح الندوة، أن هذا الموضوع من أهم أوليات المركز الذي يحاول دائما مواكبة التطورات الاقتصادية والمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وأكد نيكولاس بينود رئيس المكتب الإقليمي لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أن هذه الندوة تأتى في إطار إعداد المنظمة لتقارير حول البلدان المختلفة ومحاولات الإصلاح الاقتصادي بها، وقد سبق عقد ندوة مماثلة عن الإصلاح في الأردن، في إطار دعم جهود الإصلاح الاقتصادي بالدول المختلفة بالخبرة الطويلة للمنظمة.
واستعرض بينود أهم إجراءات الإصلاح الاقتصادي ونجاحاته في تحقيق التوازن على المستوى الكلي، مركزا على أوجه القصور التي تحتاج لمنحها أولوية في عملية الإصلاح حتى يتحقق على أرض الواقع، ومنها أن يكون النمو الاقتصادى احتوائيا يتحلى بالشفافية، وتوفير المناخ الملائم للأعمال وجذب الاستثمارات واستكمال جهود مبادرة “إرادة” لمنع تضارب التشريعات، حيث أن زيادة الاستثمارات هي الطريق لتوفير فرص العمل وتخفيض معدل البطالة وتحسين دخل المواطنين، موضحا أن جودة التعليم مازالت تمثل أحد أهم التحديات.
وتابع ممثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنه بالرغم من وجود برامج للحماية الاجتماعية والدعم النقدي إلا أن عدد الفقراء في مصر يظل كبيرا، وبالتالي هناك حاجة للاهتمام بجودة سوق العمل، وفيم يتعلق بالقطاع العام الحكومى فهناك حاجة لمواصلة الإصلاحات والقضاء على الفساد، بجانب دعم مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد.
من جانبه قال الدكتور أحمد كمالى نائب وزيرة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى، أن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي نفذته الحكومة المصرية كان جريئا وشجاعا وأشادت المؤسسات الدولية بنجاحه، مؤكدا على أن استقرار السوق من أهم مفاتيح التنمية المستدامة، فرغم أهمية النمو الاقتصادى في حد ذاته إلا أن النمو الاحتوائى الذى يستفيد منه كل فئات المجتمع أكثر أهمية.
وأكدت الدكتورة عبلة عبد اللطيف المدير التنفيذي ومدير البحوث بالمركز، أن محاولات الإصلاح السابقة في مصر لم تكتسب صفة الاستمرارية، ففي السابق كان هناك محاولات للإصلاح ولكن إما جزئية أو تهمل هامة، ونتج عن ذلك عودة المشاكل الاقتصادية والهيكلية مرة أخرى، مشددة على أهمية استكمال الإصلاح بأسلوب سليم هذه المرة من خلال معالجة مشاكل الاقتصاد الحقيقي وتحقيق الإصلاح المؤسسي والاهتمام بالمواطن والجوانب الاجتماعية.
وناقشت الجلسة الأولى تصميم سياسات اقتصادية تحقق النمو الاحتوائي الذى يستفيد منه الجميع، وطالبت إيزابيل كوشي نائب رئيس قسم الدراسات الاقتصادية بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بالتركيز على الحماية الاجتماعية وتحديد الفترة التي يستغرقها الإصلاح الاقتصادى وإعلان ذلك بوضوح، بالإضافة إلى توفير التمويل اللازم لحل مشكلات المجتمع وتحقيق أهداف النمو الاحتوائي، مؤكدا على أهمية الشراكة بين كافة أطراف المجتمع لتحقيق هذا الإصلاح من حكومة وقطاع خاص ومجتمع مدني.
ودعت إيزابيلا لوضع سياسات ناجحة للاستثمار في تعليم الصغار والشباب والاهتمام بالتعليم الفني الذى يؤهل لسوق العمل، والبحث عن سياسات لتمكين المرأة وإزالة العقبات القانونية التي تحول دون مشاركتها الفعالة في سوق العمل بالمستوى المطلوب.
من ناحيتها أكدت الدكتور هانيا شلقامي أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، أن الدعم النقدي مثل تكافل وكرامة رغم أهميته إلا أنه غير كاف لتعويض المتضررين من الإصلاح الاقتصادي، ولكن الأساس هو توفير وظائف وفرص عمل تحسن دخول المواطنين لاستهداف الفقر.
وأشارت شلقامي إلى عدم المساواة بين فئات المجتمع المصري المختلفة فالفئات الفقيرة تظل هكذا طوال الوقت، كما أن النقص في الدراسات والمعلومات يصعب من وضع سياسات ملائمة للقضاء على الفقر، ومن ناحية أخرى أكدت أستاذ علم الاجتماع على ضرورة توفير وظائف ملائمة طبقا للخريطة الديموغرافية وليس فقط مجرد وظائف لتحسين وضع الطبقة المتوسطة، والاهتمام بقطاعي التعليم والصحة.
وناقشت الجلسة الثانية تعزيز شفافية القطاع العام، وقال جانون بيرتوك مسئول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عن منطقة أفريقيا والشرق الأوسط، أن جودة ونوعية الخدمات العامة التي تقدمها الحكومة تعكس نتائج الإصلاح الاقتصادي، مشيرا إلى أن التقرير تحدث عن مدى تعقيد الإجراءات التي تحكم عمل السياسة النقدية في مصر، وقال أن الفساد أحد أهم المخاطر التي تهدد عملية الإصلاح الشامل، وأكد أن التعامل مع الإصلاح يجب أن يكون من خلال الحكومة مجتمعة وليس كل جهة على حدة كالجزر المنعزلة.
وقالت رشا عمر رئيس الإدارة المركزية لإدارة الأصول بوزارة قطاع الأعمال العام، أن عدد من الشركات الحكومية نجحت في زيادة أرباحها خلال العام المالى الماضي، وهناك نحو 52 شركة خاسرة تسعى الوزارة جاهدة لإنجاحها، لافتة إلى دراسة متخصصة لوضع كل شركة على حدة لدعم النزاهة والشفافية وتحديد الشركات ذات فرص الربحية من عدمها، حيث يتم تحديث تكنولوجيا العمل بالشركات وإنشاء إدارات للتسويق في الشركات القابضة للتركيز على تسويق السلع والمنتجات التي لديها فرصا كبيرة للنمو، والتخلص من الأصول غير المستغلة لتحسن أداء ميزانيات الشركات.
وتحدث محسن الجيلاني الرئيس الأسبق للشركة القابضة للغزل والنسيج، عن تجربة تطوير قطاع الغزل والنسيج الحكومية، من واقع المعلومات التي تنشر في وسائل الإعلام حيث لم يطلع على خطط التطوير، مشيرا إلى أن استهداف تحقيق أرباح بقيمة 3 مليار جنيه من هذا القطاع خلال عامين ونصف يعنى تحقيق مبيعات قيمتها 30 مليار جنيه، في حين تقدر قيمة المبيعات الحالية بنحو 1.7 مليار جنيه وهذا أمر يستحيل عمليا حتى في ظل توافر الإمكانيات، وتساءل عن الدور الذى تريد الدولة لعبه في القطاع لأنه مازال غير واضح.
وطالب الجيلاني بالعودة إلى توصيات اللجنة العليا للقطن التي تشكلت في عهد رئيس الوزراء السابق شريف إسماعيل ثم توسعت لتشمل دراسة قطاع الغزل والنسيج بالكامل، حيث مازالت توصياتها صالحة للتنفيذ حتى الآن، لافتا إلى أن الاعتماد على القطن متوسط التيلة في الصناعة لم يحدث حتى الآن، والحديث عن عودة القطن المصرى طويل التيلة لا يصلح حاليا في الصناعة رغم جودته.
وقال أن الاعتماد على القطن المصرى بشكل رئيسى في خطة إصلاح القطاع التي يتحدث عنها المسئولون حاليا عليه الكثير من الملاحظات لأن هذا السوق ضيق جدا وخطر ويتعرض لتقلبات شديدة.
وعرضت مادلينا فيشر سفيرة دولة البرتغال، تجربة الإصلاح الهيكلى التي نفذتها البرتغال منذ عام 2006 وتم البدء في المرحلة الثانية منها عام 2016، والتي اعتمدت على التأكد من قيام القطاعات الإدارية المختلفة بتقديم خدمات تلبى حاجة الأفراد، وتخفيض تكلفة تأسيس الشركات لدفع اقتصاد الدولة بهدف جعل حياة الناس أكثر سهولة، وهو البرنامج الذى يحمل اسم Simplex تعبيرا عن السهولة والذى يعتمد على تبسيط الإجراءات والتشريعات، وحقق البرنامج نتائجا ملموسة وموصى به عالميا من قبل منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية OECD.
وأشارت فيشر إلى 6 أسباب رئيسية لنجاح برنامج الإصلاح في دولتها تتمثل في الاستمرارية والإرادة السياسية القوية، ووضوح أدوار الجهات الحكومية المختلفة والتنسيق بينها، ووجود تمويل مناسب لتنفيذ المشروعات، والإطار المؤسسى الواضح للبرنامج، والشراكة بين القطاعين العام والخاص في تقديم الخدمات العامة والمعلومات، واستخدام التكنولوجيا الحديثة وبناء القدرات.
وشددت الدكتورة عبلة عبد اللطيف على أهمية الاستمرارية لإنجاح أي خطة إصلاح، فلا يجب أن تتغير الخطط بتغير الحكومات والوزارات، ووجود سلطة أعلى للإشراف على البرامج الإصلاحية ومتابعة التنفيذ والتقييم، ووجود التمويل الكافى حتى لا تتعثر المشروعات العامة، ضاربة المثل بمشروع تطوير التعليم الذى بدأ تطبيقه في مصر من خلال قرض من البنك الدولى، لكنه يواجه صعوبة في توفير التمويل بعد انتهاء القرض، رغم أهمية المشروع الشديدة.
وناقشت الجلسة الثالثة محور بناء بيئة جاذبة للاستثمار وتطوير القطاع الخاص ومشاركته في الاقتصاد والإصلاح، وشدد كارلوس كوند رئيس قسم الشرق الأوسط وأفريقيا بأمانة العلاقات الدولية بمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، على ضرورة تفعيل دور القطاع الخاص لأهميته الشديدة في توفير فرص العمل وتحقيق التكامل الاقتصادى وعملية الإصلاح.
وقالت الدكتورة جيهان صالح المستشار الاقتصادى لرئيس مجلس الوزراء، أن تحقيق الرفاهية يتحقق من خلال زيادة الدخول عبر توفير فرص عمل، وهذا الأمر يتطلب استثمارات، مؤكدة على أهمية التركيز على القطاع الصناعى وخلق بيئة تنافسية جاذبة للاستثمار سواء المحلى أو الأجنبي.
وأشارت صالح إلى أن مصر قطعت شوطا كبيرا في تأهيل بيئة الاستثمار من حيث رفع كفاءة البنية التحتية وتوفير مصادر الطاقة والكهرباء، موضحة أهمية تفعيل مبادرة “إرادة” لتنقية التشريعات ومنع تضاربها وهذا الأمر يعد جزءا من رؤية الدولة في الوقت الحالي، ولفتت إلى أن توفير التمويل للقطاع الخاص أحد عوائق الاستثمار في الصناعة وقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، رغم المبادرات التمويلية التي تطلقها الحكومة والبنك المركزى لتشجيع هذا القطاع.
وقالت أن استقرار معدلات التضخم سوف تمنح الفرصة لتقديم مزيد من التمويلات التي يحتاجها القطاع الصناعى والاستثمارى للإسراع بعملية التنمية.
من جانبها قالت سارة بيرتن كبير الاقتصاديين بالمكتب الإقليمى بالقاهرة ببنك التنمية الإفريقى، أن هناك جهودا كبيرة قامت بها الحكومة المصرية لدفع برنامج الإصلاح قدما ومشاركة القطاع الخاص في الإصلاحات، ولكن هناك الحاجة لبذل المزيد من الجهود لإزالة العقبات التي تواجه استثمارات القطاع الخاص، خاصة ما يتعلق بارتفاع تكلفة الاقتراض، فهناك صعوبات كبيرة أمام حصول القطاع الخاص على قروض لتنفيذ المشروعات بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مشيرة إلى مشكلات أخرى تتعلق باستمرار الروتين في الإجراءات الجمركية رغم تغيير القوانين للأفضل، وهو ما أرجعته لعدم تدريب موظفي الجمارك على التيسيرات الجديدة التي أقرتها القوانين.
وأشارت بيرتن لشعور القطاع الخاص بنوع من عدم المصداقية لعدم قدرته على توقع الإجراءات التي يمكن أن تفرضها الدولة خاصة بالنسبة لرواد الأعمال.
من ناحيته قال الدكتور زياد بهاء الدين وزير التعاون الدولى ونائب رئيس الوزراء الأسبق، أن هناك حاجة إلى تعريف طبيعة الاقتصاد المصرى وتوضيح دور الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدنى بدقة، مؤكدا أنه ليس بالضرورة ضد تدخل الدولة في الاستثمار لأن لها دورا هاما كمنظم ومستثمر أيضا، ولكن نحتاج لوضوح هذا الدور وتوزيع الأدوار التي ستقوم بها الدولة والإطار الزمنى لهذا الدور هل هو مؤقت لتغطية فجوة معينة أم دور مستمر.
وأشار بهاء الدين إلى الحاجة الشديدة إلى استثمارات القطاع الخاص، وأهمية النظر إلى معوقات الاستثمار من وجهة نظرهم، وعدم مشددا على ضرورة اتباع الحكومة لسياسة عدم المفاجأة في التعامل مع المستثمرين.
وقال بهاء الدين أن الرسوم غير المتوقعة التي تفرضها الحكومة على المستثمرين تمثل عقبة كبيرة أمام الاستثمار، لافتا إلى أن الضرائب في حد ذاتها لا تشكل نسبة كبيرة من تكلفة الاستثمار حيث تفرض ضريبة الدخل بنسبة 22.5% على الشركات، ولكن هناك رسوم يتم فرضها بشكل مفاجئ تربك حسابات المستثمرين، وأشاد في الوقت نفسه بتفعيل بمبادرة “إرادة” لفض الاشتباك والتضارب بين التشريعات وهو أحد معوقات الاستثمار في مصر.
وفى نهاية الندوة طالب الحضور من المركز المصرى بعقد ندوة لمناقشة طبيعة دور الدولة في الاقتصاد، نظرا لأهمية وحيوية هذا الموضوع بالنسبة للقطاع الخاص.