القاهرة، 31 يناير/كانون ثان (إفي): مثلت الاحتجاجات الشعبية والمواجهات التي أعقبتها بين المحتجين والشرطة في مصر ضربة قوية لصناعة السياحة التي تعتبر أحد أهم مصادر الدخل القومي بالعملة الصعبة لهذا البلد، في ظل غياب الأمن الذي أثر أيضا على عدة قطاعات على رأسها القطاع المصرفي والبورصة.
فمن كان يتخيل وقوف عدد من الدبابات أمام أهرامات الجيزة، أو خلو شوارع حى خان الخليلي الشهير من الأجانب، نظرا لحظر التجول الذي فرض في مصر كنتيجة للأحداث الجارية، التي أدت الى رحيل اعداد كبيرة من السائحين، وتكدس الاف الاجانب في مطار القاهرة بحثا عن عودة سالمة لبلادهم.
وتم اغلاق منطقة الأهرامات بالجيزة بشكل كلي منذ ما سمي بـ"جمعة الغضب"، التي شهدت ازدياد حدة الاحتجاجات ضد نظام الرئيس حسني مبارك والمطالبة برحيله، وظهور بعض أعمال الشغب والتخريب، حيث تم نشر عدد من القوات العسكرية والدبابات في محيط المنطقة، التي لم يعد يسمح حتى بترك السيارات الخاصة في محيطها.
أما المتحف المصري، وهو من أهم النقاط السياحية في العاصمة، فلم يقتصر الأمر على اغلاق أبوابه فحسب، وإنما تعرض أيضا لمحاولات تخريب ونهب ليلة الجمعة، حتى قام المواطنون بتشكيل طوق بشري حول محيطه لحمايته، وذلك قبل قليل من وصول قوات الجيش.
وفي منطقة خان الخليلي، الشهيرة بمحلات التذكارات والتحف وبازاراتها المختلفة، بدا أنها خالية تماما إلا أن بعض السائحين لم يجدوا سواها لتفقدها خلال ساعات النهار التي لا يطبق فيها حظر التجول، في ظل عدم قدرتهم على مغادرة البلاد في الوقت الحالي.
وفي حوار مع (إفي)، قال السائح المالاوي، لقمان محمود "أنا خائف من أعماق قلبي، ولكن ليس لدي خيار آخر.. لا يمكنني العودة لبلادي حيث لا توجد طائرات، لذا قررت محاولة استغلال وقتي هنا مع أبنائي".
ومن جانبه فضل السائح الفنلندي المتقاعد أولي هيكيلا أخذ الأمر بروح لا تخلو من الدعابة في بداية حديثه، حيث قال انه أخفى عن رفيقه في الرحلة، أنتي هويده، أن سفارة بلاده قررت ارسال طائرة لاجلاء المواطنين الفنلنديين.
ونقل هيكيلا مستوى الحديث إلى نبرة أكثر جدية حيث قال أن أعمال التخريب في بعض الأماكن، ومحاولة اقتحام ونهب المتحف المصري "شيء رهيب"، وأن الموقف صعب للغاية.
وكان المواطن المالاوي، برفقة أبناءه، والثنائي الفنلندي هم المجموعة الوحيدة التي تمكنت (إفي) من رؤيتهم في الشارع الرئيسي بخان الخليلي، الذي لم تفتح سوى محلات قليلة منه، حيث كان أصحابها يتابعون بشغف أمام شاشات التليفزيون أخر تطورات الموقف.
وشكى بعض الباعة في المنطقة من غياب الأمن بعد انسحاب قوات الشرطة شبه الكامل من الشوارع خلال اليومين الماضيين، وقال احدهم لـ(إفي)، ويدعى عصام عزت، انه يتمنى أن تعود الأمور إلى طبيعتها في غضون أسبوعين بعودة الشرطة الى الشوارع.
في حين قال صاحب محل آخر بالخان، ويدعى أحمد مصطفى أنه فضل فتح محله لـ"حمايته من اللصوص"، مشيرا إلى أنه لم يستقبل سوى عشرة زبائن منذ بين يومي الاحد والإثنين.
وأضاف مصطفى: "هؤلاء لا يريدون تغيير النظام، بل السرقة.. نحن نفقد أموالا كثيرة في كل أنحاء البلاد".
وعلى أي حال اتفقت أغلب الأصوات في الخان على شيء واحد وهو أن استمرار الموقف سيؤدي إلى خسائر يمكن لها اغراق قطاع السياحة، الذي لم يستفق بعد من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية.
وأكثر ما يعكس خطورة الوضع على قطاع السياحة، وغيرها من القطاعات الحيوية في مصر حاليا هو اعلان عدد من الدول ومن ضمنها الولايات المتحدة وبريطانيا وإندونيسيا وتشيلي وأستراليا وتايلاند بالبدء في اجلاء رعاياها في مصر، سواء كانوا من السائحين أو العاملين.
كما أن بعض شركات السياحة الكبرى في ألمانيا، وأبرزها توي وتوماس كوك-نيكرمان وريفي والتورز، قد ألغت رحلاتها إلى القاهرة.
يذكر أن السياحة تعتبر من أهم الأعمدة التي يرتكز عليها الاقتصاد المصري، حيث يعتبر البلد العربي من أهم مناطق الجذب العالمية، حيث يحتضن ما يقرب من ثلث آثار العالم، كما ان هذا القطاع ساهم العام الماضي في ادخال جزء كبير من العملة الصعبة إلى خزانة الدولة.
ويمكن ربط وضع قطاع السياحة كأحد أهم القطاعات الداعمة للاقتصاد المصري على خلفية الوضع السياسي في مصر بشكل أو بآخر، بعد قرار وكالة (موديز) للتصنيف الائتماني بتخفيض تصنيفها لديون مصر من Ba1 الى مستوى Ba2، ونقل توقعاتها من "مستقرة" إلى "سلبية". (إفي).