بعد مرور عقد على الأزمة المالية العالمية والاضطرابات السياسية المحلية، لجأ العديد من الدول غير المصدرة للبترول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى إعادة تعريف كيفية ارتباطها بالاقتصاد العالمي، ولكن يبدو أن اﻷمور ليست على ما يرام.
أصبحت مصر وتونس والمغرب والأردن تعتمد على الاقتراض الخارجي أكثر من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مقارنة بالفترة السابقة لعام 2008، وهو ما يتضح من خلال انخفاض نسب الاستثمار الأجنبي المباشر بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع الدين الخارجي وإجمالي الصادرات من الناتج المحلي الإجمالي.
وسيكون للنمو عبر المديونية بدلاً من الاستثمار تأثير سلبي طويل اﻷمد على قدرة هذه الدول على تنمية اقتصاداتها، كما أنها ستواجه صعوبة في الوفاء بالتزاماتها الخارجية، وربما تفقد فرصة جذب الاستثمارات الأجنبية التي تشتد الحاجة إليها لتحقيق النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل.
وشهدت الديون الخارجية قفزة واضحة فى الدول اﻷربع، فقد تضاعف الدين الخارجي، كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، في مصر من 17% عام 2010 إلى 36% في 2017، وسجلت تونس ارتفاعاً من 54% إلى 83%، ي حين انخفضت نسبة الدين الخارجي في المغرب والأردن من 65% إلى 29.6% ومن 75% إلى 47% على التوالي.
وكانت نسبة الدين الخارجي إلى إجمالي صادرات السلع والخدمات والدخل الأولي أكثر لفتاً للنظر فى الدول اﻷربع، ففي الفترة بين عامي 2010 و2017، ارتفع الدين الخارجي من 75% و99.6% و97.6% و125% لصالح مصر وتونس والمغرب والأردن على التوالي إلى 190% و178% و125% و198% فى 2017، متجاوزاً حاجز الـ77%، المحدد مسبقاً من البنك الدولي، وبالتالي التأثير سلبي على النمو الاقتصادي.
ورغم أن إجمالي الديون الخارجية لم يرتفع إلى المستوى المسجل فى نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، فإنَّ معدل ارتفاع الاقتراض الخارجي ينذر بالخطر، وفي المقابل سجل صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي انخفاضاً كبيراً منذ الأزمة المالية العالمية.
وقد تسبب كل من اﻷزمة المالية، وانخفاض التجارة العالمية، في خسائر فادحة للاستثمار اﻷجنبي المباشر، تلاها بعد نحو عامين ثورات الربيع العربي التي خلقت الديناميكيات طويلة اﻷجل للحرب اﻷهلية وانهيار الدول والتهجير الجماعي للسكان.
وتأثرت مصر وتونس بشكل مباشر بالثورات رغم أنهما لم تشهدا انهياراً للدولة أو صراعاً مدنياً طويلاً، أما المغرب والأردن فقد كانا أكثر استقراراً على مستوى الشئون الداخلية للبلاد، وتمكن المغرب من الاستفادة مبدئياً من الاضطرابات التي عانت منها تونس ومصر، كما أنها جذبت المزيد من المستثمرين الأجانب الهاربين من عدم اليقين في دولتي الجوار.
ومع ذلك، لم يكن المغرب والأردن فى مأمن من السياقين الإقليمي والعالمي الأوسع نطاقاً، فقد تسبب التباطؤ الاقتصادي الدولي وركود منطقة اليورو في تفاقم العديد من نقاط الضعف المالية والاقتصادية الهيكلية في المغرب، أما اﻷردن فقد تأثر اقتصاده بانهيار أسعار البترول والمخاطر الأمنية والسياسية المرتبطة بالحرب الأهلية في سوريا والعراق.
ولم يسمح الاستقرار السياسى النسبي في الدول الأربع بداية من عام 2014- 2015 بتوفير مساحة كبيرة للانتعاش الكامل؛ بسبب التباطؤ الاقتصادي العالمي، ما زاد صعوبة تحقيق نمو تقوده الصادرات وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، تاركاً الاقتراض الأجنبي كخيار وحيد قابل للتطبيق أمام الجميع.
ووفقاً لهذا الصدد، يمثل الدين الخارجي الجزء الأكبر من الانتعاش الظاهري، كما هو مبين في معدلات النمو.
ولكن كيف يمكن إصلاح ذلك؟
في المناخ العالمي الحالي، ربما يكون هناك اعتماد أكثر من اللازم على زيادة الصادرات أو الاستثمار الأجنبي المباشر في ظل عدم استقرار أسواق رأس المال الدولية، وانكماش التجارة العالمية، وبالتالي يجب أن تستهدف الحكومات، بدلاً من ذلك، الاستثمار المحلي في القطاعات الفعالة التي تستطيع تحقيق نمو حقيقي وخلق فرص عمل وربما الحد من الاعتماد على بعض الواردات.
ويجب أن تحقق تلك الدول، أيضاً، استخداماً أفضل للتدفقات الصافية لرؤوس الأموال، التي حصلت عليها في شكل تحويلات على مدار أعوام، فبدلاً من توجيهها للقطاعات غير القابلة للتداول، مثل العقارات، كما كان الحال في كثير من الأحيان، يمكن استخدامها لتمويل الاستثمارات في القطاعات الأكثر إنتاجية التي قد تؤدي فى النهاية إلى تحسين المشاكل المزمنة لميزان المدفوعات.
ويتعين على حكومات هذه الدول، العمل على تحسين الروابط الإقليمية المتواجدة منذ عقود فى العالم العربي؛ حيث تميل هذه الروابط إلى أن تكون غير رسمية، وليست مؤسسية، كما أنها تقتصر على تدفقات العمالة ورأس المال بدلاً من تجارة السلع والخدمات.
بالإضافة إلى ذلك، هناك جهود فعلية لتشديد العلاقات السياسية مع الدول العربية الغنية بالبترول، والتي تظهر في شكل كتلة إقليمية مناهضة لإيران، ولكن ينبغي أن يقترن ذلك بالتكامل الإقليمي الموجه نحو التجارة، وبالتالي فتح الأسواق في الدول الغنية بالبترول.
وربما يكون هناك مجال، أيضاً، لإضافة بُعد إقليمى لخطط السعودية والإمارات نحو التنويع الصناعي، من خلال تنسيق تدفقات الاستثمار والتكنولوجيا ونقل المهارات فى قطاعات، مثل البتروكيماويات وخدمات التكنولوجيا المتقدمة، ما يولد نمواً اقتصادياً وفرص عمل للحلفاء الأفقر وتعزيز الترتيبات الجيوسياسية الإقليمية.
بقلم: عمرو عدلي، أستاذ مساعد فى الجامعة اﻷمريكية بالقاهرة
إعداد: منى عوض
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”