أن نبحث عن مخرج من فخ اليورو، وهناك عقيدة ضارة تتمثل فى أن اليورو هو الخطوة «الطبيعية» المقبلة تجاه توحيد أوروبا الغربية، ولكن العملة الأوروبية المشتركة لم تكن طبيعية على الإطلاق، لأنه لم يتم استيفاء جميع الشروط اللازمة لها تقريباً.
وبعد عقدين من إطلاق اليورو، لاتزال أغلب الدعائم الأساسية لعملة عالمية ناجحة غائبة، مثل دولة موحدة، وموازنة تغطى على الأقل 15 إلى 20% من الناتج المحلى الإجمالى لمنطقة اليورو، ووزارة مالية لمنطقة اليورو.
ونحن نادراً ما نعترف بالجذور الحقيقية للقرار السىء بإنشاء عملة موحدة، ويعود هذ السبب إلى مكيدة فرنسية، فعندما توحدت ألمانيا الشرقية والغربية، خشى فرانسوا ميتيران، الرئيس الفرنسى حينذاك، من صعود القوة الألمانية، واعتقد أن إقناع الدولة بالتخلى عن عملتها الدويتشمارك سيكون كافياً لتجنب أوروبا ألمانية (أى أوروبا تخضع لسيطرة ألمانيا)، واستسلم المستشار الألمانى حينها، هيلموت كول، للفكرة واعتبر اليورو السعر النهائى لتوحد ألمانيا.
وكان كلاهما على خطأ، فنحن لدينا الآن ألمانيا أوروبية، وليس أوروبا ألمانية، كما أن اليورو لم يكن قادراً على منع ظهور نفوذ ألمانى قوى، ومع ذلك، وقع الألمان كذلك فى فخ اليورو الذى كان «أروع من أن يصدق»، وأدى ضم الاقتصادات الأوروبية الجنوبية إلى منطقة اليورو، إلى وجود سعر صرف ضعيف بقدر كافى للسماح لألمانيا بأن تصبح أقوى آلة تصدير عالمياً فى الاتحاد الأوروبى، وهذه الفرصة المفاجئة جعلتهم يشعرون بالرضا، وأهملوا تطوير بنيتهم التحتية أو الاستثمار بقدر كافى فى الصناعات المستقبلية، وفاتتهم الثورة الرقمية، وأخطأوا فى تقدير تأثير ظهور الصين وفشلوا فى بناء شركات عالمية عبر أوروبا بأكملها، وفى نفس الوقت، أطلقت شركات مثل «أليانز»، و«دويتشيه بنك»، و«باير»، حملات غير مثمرة لغزو «وول ستريت» والولايات المتحدة.
وكان أداء معظم دول منطقة اليورو، أفضل بكثير قبل اليورو مما كان معه، ووفقاً لتحليل من مركز السياسة الأوروبى، كان هناك فائزون أقل وخاسرون أكثر فى أول عقدين من وجود اليورو، ولم تكن قصص النجاح فى منطقة اليورو بحاجة للعملة الموحدة قبل 1999، كما أن معظم الدول الأعضاء فى منطقة اليورو لم تستفد منه فيما بعد، وخلال الازمة المالية العالمية فى 2008، وأزمة منطقة اليورو فى 2011-2012، تضررت معظم الدول الأعضاء بشدة، بعد أن كوموا ديوناً حكومية كبيرة.
وكان الاقتصادى، اليكساندر لامفالوسى، مجرى الأصل، محق فى إخبارنا بأن العملة المشتركة مطلوبة لتقوية الرابط بين القوى الأوروبية والدفاع عن الاتحاد الأوروبى مقابل الاتحاد السوفيتى، ولكن هناك أمر غير مفهوم، فقد تم اتخاذ القرار النهائى بإنشاء اليورو فى ماستريخت فى 1992 بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، أى أن المنطق وراء إيجاد العملة انتهى فى وقت ولادتها.
وحان الوقت لكى نفيق من هذا الحلم المضر وغير المثمر، وأفضل نقطة للبدء منها هى الاعتراف بأن العملة الموحدة فخ لكل أعضاءها عملياً- لأسباب مختلفة – وليست منجم ذهب، ويتعين على جميع دول الاتحاد الأوروبى، سواء داخل أو خارج منطقة اليورو، الاعتراف بأن اليورو كان خطئاً استراتيجياص، وكان الهدف من بناء عملة عالمية غربية تنافس الدولار تحدى للولايات المتحدة، ولكن أدت الرؤية الأوروبية بولايات متحدة أوروبية إلى حرب أمريكية خفية ومعلنة ضد الاتحاد الأوروبى ومنطقة اليورو فى العشرين عاماً الماضية.
وعلينا الآن أن نعمل على كيفية تحرير انفسنا من هذا الفخ، ويجب على الأوروبيين التخلى عن أوهامهم الخطيرة المتعلقة بخلق قوة تنافس الولايات المتحدة، ويجب السماح لأعضاء منطقة اليورو بمغادرة الاتحاد النقدى فى العقود المقبلة، ويتعين على من يقرر البقاء بناء عملة عالمية أكثر استدامة، ودعونا نحتفل بالذكرى الـ30 لمعاهدة ماستريخت التى كشفت عن اليورو بمراجعة الاتفاقية.
بقلم: جيورجى ماتولسى، رئيس البنك المركزى فى المجر
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة “فاينانشال تايمز”