موسكو في رحلة لتعزيز الإنفاق الحكومى بعد سنوات من التقشف
مع سرعة انقضاء الوقت في ولايته الأخيرة كرئيس، من الواضح أن فلاديمير بوتين، يريد إنهاء الأمر بفترة ازدهار للاقتصاد الروسي البالغ 1.7 تريليون دولار.
وخلال السنوات الخمس الماضية، فرض الرئيس الروسي بعضًا من أصعب إجراءات التقشف فى الموازنة بالتزامن مع ارتفاع أسعار الفائدة، جعل هذا من موسكو وجهة مفضلة للمستثمرين، لكنها في الوقت نفسه تخلت عن مستويات الرفاهية فى المعيشة، بالإضافة إلى أن النمو الاقتصادي ظل أقل من 2%، وفي الوقت الحالي يقوم بوتين، بتغيير المسار وتوجيه خبراء اقتصاديين تكون أفكارهم مؤيدة للنمو، وطالب بالمسارعة في تعزيز الإنفاق والاستثمار الحكوميين.
وذكرت وكالة أنباء “بلومبرج”، أنه خلال فترة بقائه فى السلطة حصل بوتين، على ترحيب واسع فى الداخل بسبب استقرار الاقتصاد الذي عانى من عقد من الفوضى وتعثر الديون بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، لكنه في الآونة الأخيرة هدد الاستقرار بالتحول إلى ركود.
وحتى الوقت الحالي لم تلجأ الحكومة لخطط الإنقاذ، حيث قلصت الاقتراض إلى الحد الأدنى في السنوات الخمس الماضية، وكانت تعمل على تخزين أي أموال احتياطية من صادرات السلع الأساسية.
وقالت إيلينا ريباكوفا، نائبة كبيرة الاقتصاديين في معهد التمويل الدولى، في واشنطن: “كانت الأولوية الأولى لروسيا هي تأمين حدودها للحد من نقاط الضعف”.
وأوضحت الوكالة الأمريكية، أن العقوبات الغربية وأسعار البترول المتقلبة كانت سبباً رئيسياً لنهج بوتين، الذي يهدف إلى جعل الاقتصاد مكتفي ذاتيًا، وهناك تحول مماثل في البلدان الأخرى نحو تدابير تعزيز النمو، ووسعت فيه الولايات المتحدة عجز الموازنة حتى بعد توسع دام 10 سنوات، وبدأت بريطانيا وألمانيا في التحول عن التقشف، بينما تحاول الهند وتركيا تعزيز النمو من خلال السياسات المالية.
وفي الاجتماع الأول للحكومة الروسية الجديدة، قال رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستن، إنه يرغب في البدء بسرعة في الإنفاق، مؤكدًا أنه ينبغي على الروس أن يشعروا بالتغييرات في حياتهم والمناطق المحيطة بهم في المستقبل القريب، ومنذ أن كان ميشوستن، مستشارًا سابقًا للكرملين، ضغط من أجل المزيد من الاقتراض والإنفاق الحكومي.
وقال الملياردير أوليغ ديريباسكا، مؤسس شركة “روسل بلاس” لتليفزيون “بلومبرج” في منتدى “دافوس”، إن التغييرات السياسية الروسية في هذه اللحظة لها هدف واحد يتمثل في تعزيز النمو الاقتصادي.
ولكن أشارت الوكالة الأمريكية إلى أن هناك حدوداً لمدى قدرة الرئيس الروسي على تخفيف القيود المالية حيث تتمسك الحكومة بقانون الموازنة الذي ينص على ضرورة توفير إيرادات بترول تزيد على 42 دولارًا للبرميل، والذي يبلغ تداوله حاليًا حوالي 61 دولارًا.
ومع ذلك، فإن إجمالي الإنفاق هذا العام قد يصل إلى 2.1 تريليون روبل أي ما يصل إلى 34 مليار دولار أو 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لحسابات “آي إن جي” في موسكو، ومن المرجح أن تستفيد الحكومة من صندوق “يوم المطر” – نوع من أنواع صناديق الطوارئ – وتصدر حوالى 500 مليار روبل من موازنة العام الماضي، والتي سجلت فائضاً يعادل 1.8% من الناتج المحلي الإجمالي.
ويتمثل جزء رئيسي من الدفعة المالية في تسريع الخطة الحالية لاستثمار 400 مليار دولار في أشياء مثل الطرق السريعة والإسكان والموانئ على مدار 4 سنوات، حيث أصبحت المشاريع الوطنية غارقة في البيروقراطية ولم تحقق سوى تقدم ضئيل في عام 2019.
واقترح بوتين، الأسبوع الماضي إنفاق حوالي 65 مليار دولار حتى عام 2024 على توسيع المزايا للعائلات والفقراء.
ويعتمد برنامج النمو لدى الرئيس الروسي بشكل أساسي على الإنفاق الحكومي، لأن الضغط المتزايد على الأعمال وتوقعات العقوبات التي لاتزال غير مؤكدة أدت إلى توقف استثمارات القطاع الخاص.
وقالت محافظ البنك المركزي إلفيرا نابلينا، إن روسيا تحتاج إلى إصلاح هيكلي يهدف إلى تحسين مناخ الأعمال وزيادة المنافسة، وادعى بوتين، منذ فترة طويلة أنه يدعم مثل هذه الإجراءات، لكنه لم يحرز الكثير من التقدم في تنفيذها.
وأوضح يفغيني ياسن، مدير المدرسة العليا للاقتصاد في روسيا وأحد أبرز الاقتصاديين فى البلاد أن هذا ليس اقتصاد سوق مضيفًا أن بوتين، لا يتبع أي مبادئ اقتصادية معينة حيث يستخدم الرئيس أي أساليب تبدو ضرورية له من أجل الحفاظ على السيطرة الكاملة.
وكشفت بيانات وحدة “بلومبرج إيكونوميكس”، أنه من المحتمل أن يضيف تخفيف الموازنة 20 أو 30 نقطة أساس إلى معدلات النمو الاقتصادي على المدى القصير.
وقال أوليغ شيبانوف، أستاذ العلوم المالية فى المدرسة الاقتصادية الجديدة في موسكو، إن التقشف الروسي كان يهدف إلى الاستعداد لأزمة مستقبلية، وأضاف: “روسيا مستعدة الآن وأتوقع أن يكون هناك المزيد من الإنفاق والاستثمار”.