الهشاشة الاقتصادية تعرقل مساعي طهران لتحمل المزيد من التصعيد العسكري مع واشنطن
يبدو أن مساعي إيران المستمرة منذ 6 أعوام للتكامل مع الاقتصاد العالمي قد شارفت على نهايتها بعد إعلان المرشد الأعلى على خامنئي، أن أوروبا قد انضمت إلى الولايات المتحدة في محاولة دفع إيران إلى الركوع.
وذكرت وكالة أنباء “بلومبرج”، أن حكومة طهران كانت تأمل أن يساعد الـ3 الكبار في الاتحاد الأوروبي – بريطانيا وفرنسا وألمانيا – إيران على التحايل على عقوبات الولايات المتحدة.
يأتي ذلك في الوقت الذى تجتاح فيه الاحتجاجات المناهضة للحكومة مدن إيران منذ نوفمبر الماضى بسبب زيادة أسعار الوقود، ومن المقرر أن تطلق الانتخابات البرلمانية في 21 فبراير المقبل دورة سياسية جديدة حتى حلول الوقت الذي يتم فيه انتخاب رئيس جديد العام المقبل.
وفي غياب تصعيد كبير في الأعمال العدائية مع الولايات المتحدة، فإن التحدي الأكبر الذي يواجه الحكومة سيكون مرة أخرى في إنعاش الاقتصاد.
ومن المحتمل أيضاً، أن يؤدي القرار الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي في الآونة الأخيرة إلى إطلاق آلية نزاع في مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، ضربة أخيرة للصفقة النووية التي تفاوضت عليها إدارة روحاني لجذب الاستثمارات الأجنبية.
وقال الرئيس الإيرانى حسن روحاني: “علينا أن نعمل مع العالم” بينما تجاهل معارضوه الذين يقولون إن إيران يمكنها أن تنجح بمعزل عن غيرها تأثير خيارات السياسة الخارجية.
وأوضحت الوكالة الأمريكية، أن العديد من المحافظين يفسرون دعوات خامنئي، الغامضة إلى “اقتصاد مقاوم” بأنه يعني التحايل على العقوبات من خلال استبدال الواردات إلى جانب الاعتماد على الصين وروسيا لنقل الاستثمار والتكنولوجيا، ولكن المشكلة تتمثل في أن العقوبات ليست سوى جزء من أزمة فى بلد يعاني من ظروف تجارية صعبة في بعض الأحيان وقطاع خاص ضعيف.
وقال سايروس رزاغي، رئيس شركة “آرا إنتربرايز” الاستشارية التجارية في طهران، إن الصين لا تستطيع وحدها توفير كل الأموال والتقنيات التي تحتاجها إيران لأجل تحقيق الازدهار.
وأضاف: “ما نحتاج إليه هو إصلاحات هيكلية ضخمة حقاً لجعل إيران أكثر إنتاجية، مع فرض عقوبات أو بدونها”، وقال البنك المركزي الإيراني، الأسبوع الماضي إنه يتخذ إجراءات لتسهيل تصدير الشركات الخاصة.
واوضح البنك، أن الشركات الخاصة مسئولة عن جزء كبير من السلع غير النفطية البالغة قيمتها 40 مليار دولار، والتى لاتزال إيران قادرة على إرسالها إلى الخارج سنويًا لتأمين العملة الصعبة الحيوية، ولكن المفاجأة أن الاقتصاد الإيراني قد نجا من الأزمة بعد استقرار الريال بعد أن فقد أكثر من نصف قيمته عندما انسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من الصفقة النووية عام 2018.
وأوضح الرزاقى، إنه بدون الإغاثة الخارجية أو الداخلية المذهلة للاقتصاد، لن تستمر هذه المرونة إلى الأبد، وقال هش داود، المحلل لدى وحدة “بلومبرج إيكونوميكس”، إن الهشاشة الاقتصادية تعني أيضًا أن إيران لا تستطيع تحمل المزيد من التصعيد العسكري مع الولايات المتحدة.
يأتي ذلك في الوقت الذي تضرر فيه الاقتصاد بشدة جراء تجدد العقوبات، التي أعيد فرضها في وقت كان فيه انخفاض أسعار البترول يضغط على الإيرادات الحكومية، وخلال حملة العقوبات الأخيرة التي قادتها الولايات المتحدة ضد إيران، قبل الاتفاق النووى لعام 2015، قام الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، بكبح الدعم الحكومي.
وقال جاد صالحي أصفهاني، أستاذ الاقتصاد في جامعة “فرجينيا” للتكنولوجيا، إنه ربما يكون الاقتصاد في حالة اقتراض بسبب شدة العقوبات رغم أنه أكثر تفاؤلاً بشأن الإدارة الاقتصادية للحكومة، وفي بلد لديه عقد اجتماعي ضمني يتبادل القبول بالقيود الإيديولوجية لإيران من أجل الرخاء، فإن نوع تشديد الحزام الذي يتطلبه اقتصاد المقاومة يمكن أن يكون عملية بيع صعبة.
وأشار صالحي أصفهاني، إلى أن المستقبل سيتحدد حقاً من خلال قضيتين أولها هل سيكون المنتجون الإيرانيون قادرين على الإنتاج؟ والثانية، هل يمكنهم تصدير ذلك؟ لأن أي اقتصاد يحتاج إلى النقد الأجنبي”.
أشارت إيلى جيرانمايه، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في بروكسل إلى أنه إذا فشل قادة إيران في هذا التحدي فلايزال هناك أشياء تتصاعد ضد البلاد التي تنحدر إلى الانهيار على غرار فنزويلا.
وقالت “بلومبرج”، إن الحكومة الإيرانية أصبحت أكثر تحفظاً من الناحية المالية وهذا يجعل التضخم المفرط أقل احتمالاً.
يأتى ذلك رغم أن طهران حققت نجاحًا أكبر من جيرانها العرب في تنويع الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد على البترول، لكن ربما يكون الاختلاف الأكبر مع فنزويلا هو موقع إيران المهم من الناحية الاستراتيجية، حيث لا يقتصر الأمر على الخليج، فطهران مهمة لأسواق البترول العالمية، بل إنها تقع أيضًا على الحدود مع العراق وأفغانستان وباكستان في الوقت الذي تمتد فيه المحطة المخطط لها في مبادرة الصين “الحزام والطريق” إلى أوروبا، وقالت جيرانماياه “ستكون هناك حوافز جيوسياسية لروسيا والصين لضمان ألا تؤدي العقوبات الأمريكية إلى شل الاقتصاد الإيراني بالكامل”.