قد ترتد آثار أكبر مخاوف مصرفية منذ الأزمة المالية التى حدثت عام 2008 على الاقتصاد لعدة أشهر، إذ تجد الأسر والشركات صعوبة فى الحصول على الائتمان، بحسب تقرير نشرته مجلة “بلومبرج بيزنس ويك” الأمريكية.
هذا هو السيناريو الذى تواجهه الولايات المتحدة بعد انهيار ثلاثة مقرضين إقليميين، وآخر عالمى عملاق هو “كريدى سويس”، على مدى 11 يومًا، وفقًا للعديد من الاقتصاديين.
قال نيل كاشكارى، رئيس البنك الاحتياطى الفيدرالى فى مينيابوليس، فى مقابلة على قناة “سى بى إس”، إن الاضطرابات “تقربنا بالتأكيد” من الركود، وأشار إلى أن المسؤولين يراقبون عن كثب للتحقق من إمكانية حدوث أزمة ائتمان واسعة النطاق.
القلق هو أن البنوك قد تكبح الإقراض استجابة لزيادة التدقيق التنظيمي، أو تآكل الودائع أو انخفاض قيمة أسهمها، فى وقت يمضى فيه الاحتياطى الفيدرالى بالفعل فى أكثر دورات رفع أسعار الفائدة شراسة خلال آخر 40 عاما.
سعر الفائدة الأمريكية عند أعلى مستوى له منذ ما قبل الأزمة العالمية، ومن المتوقع أن تقوم البنوك الصغيرة والمتوسطة على وجه الخصوص بتشديد معايير الإقراض، ما سيضر بالأسر وأسعار العقارات وفئة الشركات المتوسطة الحجم التى تشكل العمود الفقرى للاقتصاد.
وبحسب تقديرات “يو بى إس”، فإن البنوك الصغيرة والإقليمية تمتلك حوالى 39% من ديون العقارات التجارية.
ورغم أن الأمر سيستغرق شهورًا قبل ظهور اتجاهات قوية من البيانات المتاحة حول الإقراض المصرفى، لكن التاريخ مليء بأمثلة عن تشديد الشروط الائتمانية تؤدى إلى ارتفاع معدلات البطالة وتباطؤ النشاط الاقتصادي.
فى تحليل لثلاث دراسات أكاديمية، خلص بنك الاستثمار الأمريكى “جولدمان ساكس” إلى أن الاضطرابات الأخيرة قد تؤدى إلى انخفاض بنسبة 2% إلى 5% فى الإقراض فى الولايات المتحدة.
ويرى مارك زاندى، كبير الاقتصاديين فى “موديز أناليتيكس”، أن تشديد الائتمان سيؤدى إلى خفض النمو على مدار الفترة المتبقية من هذا العام بمقدار 0.3%، بينما يقول مايكل فيرولى، كبير الاقتصاديين الأمريكيين فى “جى بى مورجان تشيس أند كو”، إن الخسائر قد تزيد من نصف إلى نقطة مئوية كاملة هذا العام والعام المقبل.
“الضغط المصرفى زاد من فرص “لحظة مينسكى”- أى حدوث انهيار مفاجئ للأسواق والاقتصادات التى اعتادت على الأموال الرخيصة”، بحسب كبير استراتيجيى السوق فى بنك “جى بى مورجان”، ماركو مكولانوفيتش.
وفى نقطة ما فى مارس، شهد مؤشر “بلومبرج للأوضاع المالية الأمريكية” تشديدًا لم يُرى منذ مايو 2020.
لكن الأمر الجيد هو أن تقلبات السوق سوف تنتهى، إذ يدرك المستثمرون أن هذا ليس تكرارًا لعام 2008، فالبنوك تتمتع برأس مال جيد ويبدو أن أحجام القروض السيئة تحت السيطرة وقد استجاب الجهات الرقابية مبكرًا، كما يقول روب سوبارامان، كبير الاقتصاديين فى “نوموروا هولدينجز”.
أضاف سوبارامان: “من المحتمل جدًا أن يتباطأ نمو القروض المصرفية، لكننى أعتقد أنه من السابق لأوانه بعض الشيء استنتاج أنها ستنهار”.
تحليل بنك الاستثمار الأمريكى “جولدمان ساكس” وجد أن الإخفاقات تميل إلى الانتشار فقط فى حالة ضعف المؤشرات الأساسية للبنوك، أو حالة تعرض البنوك لبعضها البعض بشك مكثف، أو حال كشف الفشل مخاطر نظامية.
والأكثر من ذلك أن التشديد النقدى هو ما يسعى إليه صناع السياسات النقدية بهدف إبطاء التضخم.
ويقدر تورستن سلوك، كبير الاقتصاديين فى “أبوللو جلوبال لإدارة الأصول”، أن صدمة القطاع المصرفى سترفع تكلفة الاقتراض 1.5% عن النطاق المستهدف الذى يحدده الفيدرالى.
فى تقرير نُشر فى 27 مارس، قال جان هاتزيوس، كبير الاقتصاديين فى “جولدمان ساكس”، إن الافتراض الأساسى لفريقه هو أن انخفاض توافر الائتمان سيكون بمثابة رياح معاكسة، تساعد الاحتياطى الفيدرالى على إبقاء النمو دون الإمكانات” بدلاً من “إعصار يدفع الاقتصاد إلى الركود”.
هناك إشارات على أن الإقراض كان يتقلص قبل الدراما المصرفية وسيصبح أكثر تشديدًا.
يُظهر متتبع إفلاس “بلومبرج”، إبلاغ 52 شركة فى العام المنتهى فى 27 مارس، وهو أكبر عدد فى فترة مماثلة منذ عام 2009.
وحتى إذا كانت البنوك لا تزال على استعداد للإقراض، فقد لا يرغب المستهلكون فى الاقتراض، إذ أظهر تحليل مجموعة “سيتى جروب” لبيانات بطاقات الائتمان خلال الفترة التى كانت فيها البنوك تتصدر الأخبار، انخفاض إنفاق المستهلكين بأكبر وتيرة منذ الوباء.
وأشار الاقتصاديون والمحللون فى معهد التمويل الدولى إلى أن الاقتصاد الأمريكى لا يعتمد تقريبًا مثل الاقتصادات الأخرى على الإقراض المصرفى لأن أسواق رأس المال الأمريكية واسعة ومتنوعة، وبالتالى فرضية “الركود مستبعدة جدًا.
لكنهم لاحظوا أن الدرس المستفاد من البلدان الأخرى هو وتيرة التغيرات فى نمو الائتمان، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتقلبات الإنتاج الاقتصادي، لذلك يجب على صناعة السياسات النقدية أن يتصرفوا بفاعلية لاستمرار تدفق الائتمان.