من أحمد رشيد
بغداد (رويترز) - قالت مصادر شرطية بالعراق إن قوات خاصة موالية لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي نشرت في مواقع إستراتيجية في بغداد ليل الأحد بعد إن ألقى كلمة صارمة في التلفزيون أشار فيها إلى إنه لن يرضخ للضغوط الرامية إلى تخليه عن محاولته البقاء لفترة ثالثة في رئاسة الحكومة.
وقالت الشرطة إن ميليشيات شيعية موالية للمالكي صعدت دورياتها في بغداد.
وقال شاهد إن دبابة تمركزت عند مدخل المنطقة الخضراء ببغداد حيث توجد مباني الحكومة.
واتهم المالكي خلال كلمة في التلفزيون الحكومي الرئيس الكردي العراقي فؤاد معصوم بخرق الدستور بالتخلف عن موعد نهائي كي يطلب من أكبر كتلة سياسية ترشيح رئيس للوزراء وتشكيل حكومة.
وقال المالكي إنه "سيقوم برفع شكوى لدى المحكمة الاتحادية لمحاسبة الرئيس على خرقه للدستور" من أجل حسابات سياسية.
ويتحدى المالكي الذي يرأس حكومة تسيير أعمال منذ الانتخابات التي جرت في أبريل نيسان دعوات السنة والأكراد وبعض الشيعة وإيران بالتنحي لافساح المجال أمام تولي شخصية أقل استقطابا.
ويتهم منتقدون المالكي بانتهاج أجندة طائفية همشت السنة ودفعت بعضهم لدعم مقاتلي الدولة الإسلامية الذين أدى أحدث تقدم لهم عبر شمال العراق إلى إثارة قلق حكومة بغداد وحلفائها الغربيين.
ويبدو أن صبر واشنطن نفد ازاء المالكي الذي وضع ساسة شيعة موالين له في المناصب الرئيسية في الجيش وشبهه البعض بالرئيس العراقي الذي تم اعدامه صدام حسين وهو الرجل الذي تآمر عليه من المنفى منذ سنوات.
وأبدت الولايات المتحدة تأييدها لمعصوم بعد أن إنتقده المالكي الذي أنحت عليه واشنطن باللائمة في إشعال الأزمة الأمنية في العراق .
وقالت ماري هارف نائبة المتحدث باسم الخارجية الأمريكية في بيان يوم الأحد "نؤكد تأييدنا لعملية اختيار رئيس وزراء يمكنه أن يمثل طموحات الشعب العراقي من خلال بناء إجماع وطني والحكم بأسلوب شامل.
"نرفض أي محاولة لتحقيق نتائج بالإكراه أو بالتلاعب بالعملية الدستورية أو القضائية."
وقالت إن واشنطن تؤيد "بشكل كامل" معصوم بوصفه ضامن الدستور العراقي.
وحث الرئيس الأمريكي باراك أوباما الساسة العراقيين يوم السبت على تشكيل حكومة تمثل الجميع بشكل أكبر ويمكن أن تواجه الخطر المتصاعد الذي يشكله مقاتلو الدولة الإسلامية.
ولكن المالكي ظل على تحديه.
وقال مصدر بالشرطة "الآن بإمكاننا أن نرى نشرا غير مسبوق لكوماندوس الشرطة وانتشار القوات الخاصة في بغداد ولاسيما في المناطق الحساسة المتاخمة للمنطقة الخضراء ومداخل العاصمة.
"هذه القوات تتولى المسؤولية بشكل كامل الآن عن تأمين تلك المناطق بالعاصمة."
وقال مسؤول بالشرطة لرويترز إن وزارة الداخلية العراقية أبلغت الشرطة بالتأهب الكامل فيما يتعلق بكلمة المالكي.
واستغلت الدولة الإسلامية المأزق السياسي والتوترات الطائفية التي يسرت عليها تحقيق مكاسب جديدة بعد الوصول إلى شمال البلاد من سوريا في يونيو حزيران .
ودخلت هذه الجماعة التي تعتبر الشيعة كفارا يستحقون الموت بلدة تلو الآخرى مستخدمة دبابات وأسلحة ثقيلة استولت عليها من الجنود العراقيين الذين هربوا بالآلاف.
وقتل مسلحو الدولة الإسلامية مئات من الاقلية اليزيدية العراقية ودفنت بعضهم أحياء وسبت النساء وذلك حسبما قال وزير عراقي يوم الأحد وذلك في الوقت الذى قصفت فيه طائرات حربية أمريكية هؤلاء المتمردين من جديد.
وقال وزير حقوق الإنسان العراقي محمد شياع السوداني الأحد إن مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية قتلوا المئات من أفراد الأقلية اليزيدية ودفنوا بعضهم أحياء واتخذوا مئات من النساء سبايا لهم.
وأمر المتشددون السنة الذين يعتبرون اليزيديين عبدة للشيطان باعتناق الإسلام أو الموت. واتهم الوزير العراقي المتشددين بأنهم كانوا يحتفلون "بالمذابح الشنيعة" بالتهليل والتلويح بالأسلحة في الهواء. ولم يتسن الحصول على تأكيد من مصدر مستقل.
وقالت القيادة الوسطى الأمريكية إن طائرات بدون طيار ومقاتلات أمريكية قصفت شاحنات مسلحة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية ومواقع يتم فيها إطلاق قذائف المورتر بالقرب من أربيل عاصمة إقليم كردستان شبه المستقل.
وهذا هو اليوم الثالث على التوالي الذي تشن فيه الولايات المتحدة ضربات جوية وقالت القيادة المركزية في بيان إن الضربات استهدفت حماية قوات البشمركة الكردية التي تتصدى للمتشددين الإسلاميين قرب أربيل موقع القنصلية الأمريكية ومركز العمليات العسكرية الأمريكية-العراقية المشتركة.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية يوم الأحد إنها سحبت بعض موظفيها من قنصلية أربيل حفاظ على سلامتهم.
وأجبر تقدم المتشددين المسلحين عبر شمال العراق عشرات الالاف على الهرب وهدد أربيل ودفع الولايات المتحدة لشن أول ضربات جوية في المنطقة منذ سحبت واشنطن قواتها من العراق في عام 2011.
وأضاف السوداني في تصريحات عبر الهاتف أن الروايات بشأن أعمال القتل جاءت من أشخاص فروا من بلدة سنجار وهي موطن لليزيديين -الذين يتحدثون الكردية- منذ القدم وأدت معتقداتهم الدينية إلى أن انعزلوا عن المسلمين وغيرهم من أصحاب المعتقدات في العراق.
وقال السوداني "لدينا أدلة قاطعة حصلنا عليها من اليزيديين الناجين من الموت وكذلك صور لمواقع الجرائم تظهر بصورة لا تقبل الشك أن عصابات داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) قد أعدمت ما لا يقل عن 500 من اليزيديين بعد دخولها سنجار."
وأضاف السوداني "بعض الضحايا وبينهم نساء وأطفال دفنوا أحياء في مقابر جماعية متفرقة في منطقة سنجار وأطرافها."
وحذر الرئيس الأمريكي باراك أوباما من أنه لا يوجد حل سريع للأزمة التي تهدد بتمزيق العراق.
ودعا رئيس اقليم كردستان العراق مسعود البرزاني حلفاءه بإمداد الأكراد بالسلاح لدعمهم في مواجهة متشددي الدولة الاسلامية الذين لديهم قواعد وراء الحدود السورية.
وقال البرزاني في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس "نحن لا نقاتل منظمة ارهابية .. نحن نقاتل دولة إرهابية."
وقال مسؤول كردي كبير آخر إن القوات الكردية المدعومة بضربات جوية أمريكية استعادت بلدتي الكوير ومخمور.
وأسقطت طائرات عسكرية أمريكية مواد إغاثة لعشرات الآلاف من اليزيديين الذين تجمعوا على جبل سنجار بحثا عن ملاذ من المتشددين المسلحين.
وفي الفاتيكان أقام البابا صلاة صامتة على أرواح ضحايا الصراع في العراق خلال خطابه الأسبوعي في روما يوم الأحد.
وقال البابا "آلاف الأشخاص ومن بينهم الكثير من المسيحيين طردوا من منازلهم بطريقة وحشية. اطفال يموتون من العطش والجوع اثناء الهرب. نساء تختطف أشخاص يقتلون. عنف من كل نوع. دمار في كل مكان...كل هذا يغضب الله بشدة ويسيء للبشرية بشدة."
وانضمت فرنسا إلى الدعوات التي تطالب قادة العراق المتناحرين بتشكيل حكومة لا تقصى أحدا حتى تتمكن من التصدي للمتشددين. وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في مؤتمر صحفي في بغداد "العراق بحاجة إلى حكومة وحدة واسعة ويجب أن يشعر جميع العراقيين أنهم ممثلون في هذه الحكومة.. كي يشاركوا في تلك المعركة ضد الارهاب."
وتأتي الضغوط من جانب فرنسا بعد يوم من وصف أوباما للاضطرابات في شمال العراق بأنها "جرس إنذار" لتنبيه العراقيين الذين انزلقوا مرة أخرى إلى هاوية العنف الطائفي الذي بلغ ذروته عامي 2006 و 2007.
ولم تلق الدولة الإسلامية مقاومة تذكر. وهرب آلاف من الجنود الذين دربتهم الولايات المتحدة عندما اجتاح مقاتلو التنظيم الذين يتألفون من عرب وأجانب المنطقة. وأدت الهزيمة الساحقة للجيش إلى تدخل الأكراد والميليشيات الشيعية لكنهما حققا نجاحا محدودا.
وخلال تقدمه الأخير الأسبوع الماضي ألحق التنظيم هزيمة بالأكراد بفضل الدبابات والمدفعية وقذائف المورتر والمركبات التي استولوا عليها من الجنود الهاربين مما هز سمعة الأكراد كمقاتلين مرهوبي الجانب "لا يهابون الموت".
وقد تكون لمقاتلي الميليشيات الشيعية فرصة أفضل من الأكراد لكنهم متهمون بخطف وقتل السنة مما يصب في مصلحة الدولة الإسلامية التي تسيطر أيضا على جزء كبير من غرب العراق.
وبعد أن دحروا القوات الكردية في وقت سابق الأسبوع الماضي أصبح مسلحو الدولة الإسلامية على بعد 30 دقيقة بالسيارة من أربيل عاصمة إقليم كردستان الذي تفادى الصراع الطائفي في العراق على مدى عشرة أعوام.
ودفع احتمال الهجوم على أربيل العاملين الأجانب في شركات النفط لمغادرة المدينة في حين سارع الأكراد لشراء بنادق الكلاشنيكوف للدفاع عن أنفسهم.
وخلال تقدمهم الأخير في شمال العراق هزم التنظيم القوات الكردية واستولى على خامس حقل للنفط وعدة بلدات وأكبر سد في العراق الأمر الذي قد يمكنه من إغراق مدن بالمياه أو قطع المياه والكهرباء عنها.
وبعد أن أنفقت أكثر من تريليوني دولار على حربها في العراق وخسارة آلاف الجنود يتعين على الولايات المتحدة الآن أن تجد سبلا للتصدي للتنظيم الأكثر تشددا حتى من القاعدة والذي هدد بالزحف على بغداد.
(إعداد أحمد صبحي خليفة للنشرة العربية)