شهدت الاقتصاديات الكبرى حول العالم أسبوعاً مليئاً بالتقلبات والبيانات الاقتصادية المهمة، وبالأخص إذا ما تحدثنا عن الاقتصاد الأكبر في العالم -الاقتصاد الأمريكي- حيث صدر عن الاقتصاد الأمريكي خلال الأسبوع الماضي حزمة من البيانات والأخبار الاقتصادية، إلا أن تقرير العمالة الأمريكي كان أهم تلك التقارير، لتواصل البيانات الأمريكية إظهار دلائل متباينة حول ما آلت إليه الأمور في الاقتصاد الأمريكي، وعلى ما يبدو بأن الاقتصاد الأمريكي لا يزال يصارع باحثاً عن استقراره المفقود.
بداية الأسبوع الماضي كانت مع بيانات تقرير طلبات المصانع الأمريكي والخاصة بشهر آب، حيث شهدنا انخفاض قراءة المؤشر خلال شهر آب وسط استمرار ضعف مستويات الطلب حول العالم، مع الإشارة إلى أن البيانات التي صدرت مؤخراً عن قطاع الصناعة الأمريكي أكدت على أن الضعف لا يزال سيد الموقف في مستويات الطلب حول العالم، وذلك وسط استمرار محاولات قطاع الصناعة الأمريكي للوصول إلى حالة من الاستقرار من أسوأ ركود يمر عليه منذ مطلع الثمانينيات.
وبالانتقال إلى بيانات قطاع المنازل الأمريكي، فقد صدر عن الاقتصاد الأمريكي خلال الأسبوع الماضي بيانات مبيعات المنازل قيد الانتظار والخاصة بشهر آب، لتؤكد تلك البيانات على ما صدر من بيانات سابقة عن قطاع المنازل، وبالأخص من خلال بيانات مبيعات المنازل القائمة والحالية والخاصة بالفترة ذاتها، وعلى ما يبدو بأن أنشطة قطاع المنازل تحسنت بشكل طفيف خلال آب، على الرغم من بقاء قطاع المنازل الأمريكي برمته تحت وظأة الضغوطات والتي تثقل كاهل الاقتصاد الأمريكي، والمتمثلة بشكل رئيس في ارتفاع معدلات البطالة في البلاد وتشديد شروط الائتمان، ناهيك عن عامل يثقل كاهل قطاع المنازل بشكل خاص في الولايات المتحدة الأمريكية والمتمثل في ارتفاع قيم حبس الرهونات العقارية.
وقد صدر عن معهد التزويد الأمريكي خلال الأسبوع الماضي قراءة مؤشره الغير صناعي (الخدمي) والخاصة بشهر أيلول، حيث شهدنا ارتفاع المؤشر وبأعلى من التوقعات، وسط تواصل التوسع في الأنشطة الاقتصادية داخل قطاع الخدمات، مع الإشارة إلى أن قطاع الخدمات الأمريكي يشكل حوالي 70 بالمئة من مجمل أنشطة الاقتصاد الأمريكي.
وصولاً إلى ما هو أهم، أو لنكن أكثر دقة إلى عنوان الأسبوع الماضي، أو بيانات قطاع العمالة، إختر لها ما شئت من الأسماء، حيث شهدنا أولاً صدور بيانات مؤشر ADP للتغير في وظائف القطاع الخاص والخاصة بشهر أيلول وذلك قبيل صدور تقرير العمالة الأمريكي بيومين، حيث أظهر التقرير بأن القطاع الخاص في الولايات المتحدة الأمريكية قثد خلال أيلول حوالي 39 ألف وظيفة، عقب نجاح القطاع في خلق 10 آلاف فرصة عمل خلال شهر آب الماضي.
تلك البيانات لم تكن سوى كمؤشر بسيط على ما آلت إليه الأمور في قطاع العمالة الأمريكي خلال شهر أيلول، حيث جاءت بيانات تقرير العمالة الأمريكي مخيبة للآمال وبشكل كبير، مع الإشارة إلى أن وزارة العمل الأمريكية أصدرت التقرير يوم الجمعة الماضي لنشهد انخفاض مؤشر التغير في عدد الوظائف ما عدا القطاع الزراعي خلال أيلول مؤكداً على أن الاقتصاد الأمريكي فقد 95 الف وظيفة خلال أيلول، بالمقارنة مع القراءة السابقة المعدلة والتي بلغت فقدان الاقتصاد الأمريكي لحوالي 57 ألف وظيفة وبأسوأ من التوقعات التي أشارت إلى أن الاقتصاد الأمريكي فقد 5 آلاف وظيفة فقط خلال أيلول الماضي.
أما معدل البطالة فلم يشهد أي تغيير خلال شهر أيلول ليثبت عند 9.6 بالمئة خلال أيلول، وبأفضل من التوقعات التي أشارت إلى أن معدلات البطالة في الولايات المتحدة الأمريكية ارتفعت خلال أيلول لتصل إلى 9.7 بالمئة، مع الإشارة إلى أن معدلات البطالة لا تزال تحوم حول أعلى مستوى لها منذ ربع قرن من الزمان، وذلك وسط استمرار الضعف في قطاع العمالة الأمريكي، والذي لا يزال يعاني الأمرين قابعاً تحت وطأة الضغوط والتحديات التي تثقل كاهله.
وبالحديث عن أداء الأسواق في الأسبوع الماضي، فقد شهدت أسواق العملات تقلبات كبيرة، ليبدأ الدولار الأمريكي الأسبوع الماضي بخسارة الكثير من زخمه مقابل معظم العملات الرئيسية، حيث لا يزال جمهور المستثمرين يعتقد بأن البنك الفدرالي الأمريكي سيتخذ المزيد من الإجراءات الخاصة بالتخفيف الكمي قريباً، أو بأنه سيتخذ المزيد من الإجراءات لتيسير سياساته النقدية، خلال الفترة المقبلة، الأمر الذي وضع ثقلاً كبيراً على عاتق الدولار لينخفض، إلا أنه كان قادراً على العودة واسترجاع بعض زخمه وذلك بسبب قيام المستثمرين بتعديل مراكزهم قبيل صدور تقرير الوظائف الأمريكي، ولكن الدولار الأمريكي عاود الاستقرار على الرغم من صدور بيانات تقرير الوظائف ببيانات مخيبة للآمال بشكل كبير، حيث توقع المستثمرين عقب صدور تلك البيانات بأن البنك الفدرالي الأمريكي بات قاب قوسين أو أدنى من التدخل من خلال خطط تحفيزية لإنعاش القطاع النازف في الاقتصاد الأمريكي (قطاع العمالة).
وبسبب انخفاض الدولار الأمريكي، فقد كانت السلع الأساسية قادرة على الارتفاع لتحطم مستويات قياسية، حيث ارتفعت أسعار النفط لتصل إلى أعلى مستوى لها في خمسة أشهر فوق مستويات 80 دولار أمريكي للبرميل، في حين استطاع الذهب تسجيل مستويات قياسية تاريخية جديدة فوق مستويات 1360 دولار أمريكي للأونصة هي الأعلى له عبر التاريخ.
أما أسواق الأسهم فقد كان الارتفاع هو سيد الموقف بالنسبة لها خلال تداولات الأسبوع الماضي قبيل صدور بيانات تقرير الوظائف الأمريكي، حيث اقترب مؤشر الداو جونز الصناعي من مستويات 11 الف نقطة، بسبب الآمال التي كانت تسكن قلوب المستثمرين حول مستقبل الاقتصاد الأمريكي، ناهيك عن التوقعات حول انخاذ البنك الفدرالي الأمريكي للمزيد من التدابير لتيسير سياساته النقدية في جولة ثانية، الأمر الذي قاد مؤشرات الأسهم الأمريكي إلى الارتفاع بقوة قبيل انطلاق موسم إعلان الشركات الأمريكي عن أرباحها الخاصة بالربع الثالث من العام الجاري 2010، إلا أن تقرير العمالة الأمريكي قلب الطاولة على المؤشرات الأمريكية، لتنخفض في تداولاتها يوم الجمعة الماضة...