مدريد، 26 ديسمبر/كانون أول (إفي): جاء إعلان المغرب عزمها "إعادة تقييم" علاقاتها مع إسبانيا في جميع المجالات بمثابة التتويج لعام من الشد والجذب، وضعت فيه الحكومة المغربية العلاقات بين البلدين على المحك بعد سلسلة من الاتهامات والأحداث على خلفية الوضع في الصحراء الغربية وسبتة ومليلة.
وشهد النصف الثاني من 2010 وبداية من فصل الصيف بالتحديد، نقطة التحول باتجاه التصعيد، رغم مضي الستة شهور الأولى من العام بهدوء، عقب تجاوز الأزمة التي خلفها إضراب الناشطة الصحراوية أمينة حيدر عن الطعام في مطار لانثاروتي الاسباني، وبعد انعقاد القمة الأولى للمغرب والاتحاد الأوروبي في ظل رئاسة إسبانيا الدورية للاتحاد.
ففي الفترة بين منتصف يوليو/تموز، وبداية أغسطس/آب أصدرت الحكومة المغربية عددا من البيانات شجبت من خلالها ما اعتبرته سوء معاملة من قبل الشرطة الاسبانية لبعض المواطنين المغاربة على الحدود مع مدينة مليلة.
وشجع ذلك الموقف الرسمي بعض الجمعيات المدنية المغربية على تنظيم حملة احتجاجات في الممر الحدودي بين المغرب ومدينة مليلة ذات الحكم الذاتي، وصل إلى حد إغلاقه أمام عبور شاحنات تنقل منتجات سريعة التلف إلى المدينة.
وأمام ذلك الوضع، قام العاهل الإسباني بمحادثة هاتفية للملك محمد السادس في 11 أغسطس/آب ما ساهم في تخفيف حدة التوتر، إلى جانب الزيارة التي قام بها إلى الرباط وزير الداخلية الاسباني ألفريدو بيريث روبالكابا، واللقاء الذي عقده رئيس الحكومة الاسبانية خوسيه لويس رودريجث ثاباتيرو مع العاهل المغربي في سبتمبر/أيلول في نيويورك.
ولكن كانت نذر أزمة جديدة تلوح في الأفق بعد أسابيع قليلة، ففي العاشر من أكتوبر/تشرين أول، قرر مئات الصحراويين إقامة مخيم بضواحي مدينة العيون، عاصمة الصحراء الغربية، للمطالبة بتحسين أوضاعهم، في التظاهرة المدنية الأكبر التي تشهدها الصحراء الغربية منذ انسحاب القوات الاسبانية منها عام 1975.
وكان مقتل صبي صحراوي يوم 22 من نفس الشهر بنيران الشرطة المغربية بمثابة مقدمة لتفكيك المخيم بعد الحادث بأسبوعين، في الوقت الذي بلغ فيه عدد المتظاهرين أكثر من 20 ألف شخص.
وجاء تفكيك المخيم من قبل السلطات المغربية بعد خمسة أيام فقط من الاجتماع الذي عقده وزير خارجية المغرب، الطيب الفاسي الفهري، مع نظيرته الاسبانية، ترينداد خيمينيث، التي كانت قد تولت حقيبة الخارجية خلفا لميجل أنخل موراتينوس في 21 أكتوبر/تشرين أول الماضي.
كما أدى الهجوم العنيف الذي شنه الفاسي الفهري على وسائل إعلام إسبانية، متهما إياها بـ"تزييف الحقائق" حول قضية الصحراء، إلى إخماد رغبته في إعادة تنشيط العلاقات بين البلدين، عقب تعيين سفير جديد للمغرب في إسبانيا، بعد أن ظل المنصب شاغرا لمدة تسعة أشهر.
وعلى الجانب الآخر، أثار تفكيك المخيم، وموقف الحكومة الاسبانية الفاتر تجاهه، ومنع النشطاء والصحفيين الإسبان من التوجه إلى العيون سخط أحزاب المعارضة الاسبانية، وكذلك بعض الاشتراكيين، والجماعات المدافعة عن قضية الصحراء.
ودفع هذا الوضع مجلس النواب الاسباني في الثاني من ديسمبر/كانون أول نحو المصادقة على قرار، بدعم من جميع الأحزاب، يدين "أعمال العنف" الأخيرة في العيون، وهو ما أثار حفيظة المغرب، ودفعها لإعلان عزمها "إعادة تقييم" العلاقات الثنائية بين البلدين في اليوم ذاته.
ومن جانبها تعتقد الحكومة الإسبانية أن إعلان المغرب في هذا الصدد لن يضر بالتعاون في المجالات الحساسة بين البلدين، مثل مكافحة الإرهاب، والهجرة غير الشرعية، خاصة بعد شبكة المصالح التي تم تعزيزها خلال السنوات الماضية.
كما لم تغب عن المشهد، رغم ذلك، تصريحات مسئولين كبار في حكومتي البلدين باتجاه حتمية التفاهم والعمل بشكل ثنائي في معالجة مجموعة من القضايا التي تهم البلدين الجارين.
وفي انتظار القمة الثنائية الإسبانية-المغربية (الأخيرة كانت في ديسمبر/كانون أول 2008)، وتعيين سفير مغربي جديد لدى إسبانيا، وهو صحراوي منشق عن جبهة البوليساريو، تبقى إمكانية عودة العلاقات إلى مرحلة الصفاء من جديد. (إفي).
ط م/ع ف/ف ع/م ز/هـ ج