Investing.com - يشهد العالم اليوم العديد من الحروب الشرسة، من بينها حروب العملات التي تتورط فيها بعض الدول بكامل إيراداتها، بينما تجد أخرى نفسها وسط صراع ليست طرفًا فيه، ولكنه يهدد اقتصادها ومستقبلها.
وفي سبتمبر 2010، قال وزير المالية البرازيلي "جويدو مانتيجا" خلال كلمته بمؤتمر عقد بمدينة "ساو باولو" قبيل الانتخابات الرئاسية البرازيلية: "أيها السادة، نحن في خضم حرب عملات، يحاول فيها البعض خفض قيمة عملته. إن هذا يشكل تهديداً لنا لأنه يقوض قدرتنا التنافسية"، مشيرًا إلى أن عملية إدارة العملة صارت أداة للحرب الاقتصادية العالمية وليس مجرد سياسة داخلية.
سرعان ما تصدرت هذه التصريحات عناوين الصحف العالمية، ليظهر غضب الجميع بشأن السياسة النقدية التي تتبعها الولايات المتحدة لأول مرة بشكل واضح، واتهم البعض مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بعدم الاهتمام بتداعيات سياساته على بقية دول العالم.
وتزامنت هذه التصريحات مع تدخل اليابان في سوقها النقدي بصورة مباشرة لخفض قيمة الين، وقد قامت كلا من كوريا الجنوبية وتايلاند وكولومبيا بنفس الخطوة، وجميع هذه الدول كانت تسعى لتعزيز صادراتها عن طريق تخفيض قيمة عملاتها المحلية.
وفي خريف 2010، وجدت البرازيل نفسها على وشك كارثة حقيقية، نتيجة الارتفاع الكبير الذي شهدته قيمةعملتها، بعد أن وقعت بين فكي كماشة كان طرفاها أكبر اقتصادين على مستوى العالم، فعلى أحد الجوانب وقف الصين التي تمنع قيمة عملتها من الارتفاع، وتحد من التدفقات الرأسمالية الواردة إليها.
ولأن صادرات السلع البرازيلية ترتبط بشكل كبير بتطورات النمو الاقتصادي في الصين، صارت العملة البرازيلية ضحية حرب بالوكالة هدفها الأخير هو اليوان الصيني، حيث كان المستثمرون يراهنون في الواقع على أن النمو القوي بالصين سيدعم النمو بالبرازيل، مما سيؤدي إلى رفع قيمة الريال البرازيلي.
ومن الناحية الأخرى، كان المستثمرون الأمريكيون يضخوا الأموال في الاقتصاد من خلال بنكهم المركزي، مما أبقى أسعار الفائدة منخفضة، وسهلت إجراءات الاحتياطي الفيدرالي في هذا الوقت على المستثمرين الحصول على أموال رخيصة، يمكنهم استخدامها في المراهنة ضد العملات التي يتوقعون ارتفاع قيمتها مثل الريال البرازيلي.
منذ مطلع عام 2010 وحتى بداية خريف نفس العام، ارتفعت قيمة الريال البرازيلي بحوالي 25% أمام الدولار الأمريكي، مما جعله واحداً من أكثر العملات التي ارتفعت قيمتها في العالم خلال هذا العام، وفقاً لوكالة "بلومبرج".
ارتفاع قيمة الريال البرازيلي كان له فوائد وأضرار، فمن جهة يجعل قيمة الواردات أرخص ويزيد من القوة الشرائية للسكان، ومن جهة أخرى يؤثر بشكل سلبي على المصدرين والمصنعين البرازيليين الذين صارت منتجاتهم أغلى بالنسبة لبقية دول العالم، مما يضر بقدرتهم التنافسية.
وحينها تدخلت حكومة البرازيل في السوق النقدي بشكل مباشر، لإضعاف عملتها المحلية و تخفيف الضغوط الواقعة على الريال، وبدأت في تنفيذ سياسات احترازية مختلفة للحد من تدفقات رأس المال، فقد صرح وزير المالية البرازيلي في فبراير 2013، بأن بلاده نجحت في إحباط حرب عملات شنت ضدها، مما تسبب في استقرار عملتها عند ريالين لكل دولار أمريكي.
في الحقيقة، تتعلق حرب العملات في جوهرها بالصراع السياسي أكثر من الاقتصاد، فعندما تتخذ الصين إجراءات من شأنها إضعاف اليوان كما تفعل منذ نحو عقدين، فإن ما تفعله في الواقع هو الحفاظ على تراجع قيمة البضائع الصينية في الولايات المتحدة الأمريكية، مما يؤدي إلى حدوث اختلال في الميزان التجاري بين البلدين.
وبالطبع، سيكون للولايات المتحدة رد قوي على هذه الخطوة الصينية، حيث ستضطر إلى خفض قيمة عملتها أيضًا، ولكن بما أن الدولتين لا يمكن أن يكون لهما سوى سعر صرف واحد، فإن هذا السباق يصبح سباقًا نحو الهاوية، ولن يعود بالفائدة على أيا منهما.
وعندما تقوم الكثير من الدول بخفض قيمة عملاتها في ذات الوقت، لجعل صادراتها أكثر قدرة على المنافسة، فإن تجبر دول أخرى ليست طرفًا في هذا الصراع على اتباع نفس السياسات للحيلولة من ارتفاع عملاتها، مثل ما حدث في البرازيل.