يبقى التوتر مسيطر على الأسواق المالية بعد الفوضى العارمة التي نشرها تخفيض التصنيف الائتماني للديون السيادية الأمريكية، و بعد التدخلات من البنوك المركزية العالمية في الأسواق المالية ضمن المساعي لاحتواء الاضطراب الذي سببته الأزمات المالية، و اليوم المستثمرون على موعد مع قرار الفائدة الفدرالي ، فهل سوف يتحرك لاحتواء التخفيض في التصنيف الائتماني.
الأجندة الاقتصادية اليوم مليئة بالبيانات الاقتصادية البريطانية، إلا أن التركيز في الوقت الراهن حول ما ستفعله البنوك المركزية لاحتواء التحركات الغير مسيطر عليها و تقليص أثرها السلبي على مستويات النمو الاقتصادي، إذ إن من المتوقع صدور القراءات المرتبطة بالميزان التجاري و الإنتاج الصناعي خلال شهر حزيران مع توقعات باستمرار الظروف الاقتصادية الصعبة على الاقتصاد الملكي.
تراجعت مستويات الإنتاج الصناعي في المملكة المتحدة خلال الأشهر الماضي بعد الانخفاض الذي شهده الطلب على المنتجات البريطانية، و الذي دفع المصانع لتخفيض الإنتاج لمواكبة التراجع في الطلب الذي انخفض في ضوء التباطؤ الذي تشهده الاقتصاديات العالمية، و تأثرت مستويات الإنتاج بتراجع مستويات الطلب المحلي على المنتجات بعد إقرار الحكومة الائتلافية أكبر تخفيضات في الإنفاق العام خاصة مع ارتفاع ضريبة المبيعات لمستويات 20% منذ بداية العام الجاري.
من المتوقع اليوم أن يسجل الإنتاج الصناعي خلال شهر حزيران مستويات 0.2% من السابق -0.8%، و على المستوى السنوي يتوقع أن يسجل 0.4% من السابق 0.9%، أما الإنتاج التصنيعي الذي يركز على الخدمات بشكل أكبر فمن المتوقع أن يبلغ 0.2% من السابق 1.8% ، أما عن القراءة السنوية يتوقع أن تسجل ثباتا عند 2.8%.
من زاوية أخرى، يترقب المستثمرين بيانات الميزان التجاري والذي من المتوقع أن يسجل عجزا بقيمة 8100 مليون جنيه مقارنة بالقراءة السابقة التي تشير لعجز بقيمة 8475 مليون جنيه، أما عن القراءة المستثنى منها دول الاتحاد الأوروبي فمن المقدر أن يسجل عجزا بقيمة 4800 مليون جنيه من السابق 5109-مليون جنيه ، بينما مجمل الميزان التجاري فمن المتوقع أن يسجل عجزا بقيمة 3600 مليون جنيه من السابق -4060 مليون جنيه.
توسع العجز في الميزان التجاري البريطاني بشكل واضح خلال الأشهر القليلة الماضية، و هذا بتأثير مباشر من هبوط الصادرات( أي الطلب الخارجي على المنتجات المحلية) و ذلك بتأثير التراجع الذي تشهده الاقتصاديات العالمية على رأسها الولايات المتحدة، و القارة الأوروبية التي تعد الشريك التجاري الأول لبريطانيا، ومن الصين.
تأثرت الصادرات أيضا بعامل مهم جدا، و هو ارتفاع قيمة العملة المحلية الذي سلب من المنتجات البريطانية الميزة التنافسية أمام البضائع المنافسة، أما عن الواردات فقد شهدت هي أيضا انخفاض ملحوظ مع تراجع مستويات الإنفاق الاستهلاكي لدى الأفراد الذي بدوره قلص الطلب المحلي على البضائع الأجنبية، و هذا بتأثير من التخفيضات العميقة في الإنفاق العام الذي تضمن تسريح العديد من العاملين في القطاع العام أو تخفيض أجورهم.
عزيزي القارئ، يعد أداء الاقتصاد البريطاني ضعيف جدا مما يزيد الضغوط على صانعي القرار الذين يقفون مكتوفين الأيدي أمام السياسة النقدية الراهنة، و هذا وسط التدخلات التي نشهدها من البنوك المركزية العالمية لدعم الاقتصاديات التي تواجه الصعاب.
فأن البنك المركزي الأوروبي على استعداد تام لشراء السندات الحكومية الايطالية و الاسبانية ضمن محاولة ذات مخاطرة مرتفعة جدا، بهدف احتواء أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو و منع انتشارها إلى ثالث و رابع أكبر اقتصاديات في منطقة اليورو.
قرر البنك الوطني السويسري و على نحو مفاجئ الأسبوع الماضي تخفيض سعر الفائدة المرجعي ضمن المساعي للسيطرة على الارتفاع الكبير في قيمة العملة السويسري التي أضرت بمستويات النمو، و تبعه البنك المركزي الياباني عندما قرر توسيع نطاق سياسة شراء السندات، و تقديم تسهيلات أكبر على عملية الاقتراض، و وذلك أيضا للسيطرة على الارتفاع الكبير في قيمة الين الياباني و التي أضر بصادرات البلاد و مستويات النمو، و أبدى البنك الياباني استعداده لمزيد من التدخل لدعم الاقتصاد.
أما موقف البنك الفدرالي فأنه مختلف، فقد أكد على مر الأشهر الماضية بقاء السياسة النقدية ثابتة، و لكن الوضع الاقتصادي في أكبر اقتصاد عالمي في تدهور مستمر و ناهيك عن تخفيض التصنيف الائتماني للديون السيادية، فهل هذه المعطيات كافية ليقوم الفدرالي بإقرار سياسة تخفيف كمي ثالثة.