موسكو، 29 مايو/آيار (إفي): شهدت السياسة الخارجية لروسيا في الفترة الخيرة تحولا كبيرا بل وحاد غيرت على إثره مواقفها الراسخة منذ وقت طويت بشأن عدد من القضايا الدولية المهمة، وفي مقدمتها الملفين النووية الخاصين بإيران وكوريا الشمالية.
وبعد ان كانت موسكو من الصخرة الصلبة التي تصطدم بها أية محاولات امريكية ترمي لفرض عقوبات على طهران وبيونج يانج على خلفية برنامجيهما النووية، أبدى الدب الروسي مؤخرا موقفا أكثر مرونة في هذا الشأن وصل إلى الإعلان الصريح عن الاستعداد لقبول إشهار سلاح العقوبات في وجه الحليفين السابقين.
وفي هذا السياق، يقول فيودور لوكيانوف، مدير مجلة (روسيا إن جلوبال آفيرز)، في تصريحاته لـ(إفي) إن الموقف الروسي بدأ يتغير منذ ستة شهور عندما تخلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن فكرة نشر الدرع الصاروخي في بولندا وجمهورية التشيك، وهي المسألة التي طالما أرقت المسئولين في الكرملين وعكرت على مدار سنوات أجواء العلاقات الأمريكية الروسية، خاصة في فترة ولاية الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش.
فبخلاف بوش، فإن أوباما رئيس "يلتزم بوعوده" ولهذا فإن روسيا بطبيعة الحال ملزمة، بدورها، بالرد بالمثل، وفقا لما ذكره لوكيانوف.
وأضاف "لقد اتخذت موسكو بالفعل قرارا بتأييد فرض عقوبات دولية على طهران في إطار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة".
وكان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قد أعلن الأسبوع الماضي عن موقف بلاده الجديد عندما انتقد "الفظاظة" المتكررة من جانب إيران إزاء مختلف الاقتراحات المتفاوض عليها في المجتمع الدولي.
وعلق لافروف، الذي طالما عارض على مدار سنوات معاقبة طهران بسبب طموحاتها الخاصة ببرنامجها النووي بقوله: "للأسف، طالما كان رد إيران على هذه الجهود غير مرضي خلال سنوات وليس شهور".
ويفسر لوكيانوف هذا التغير المفاجئ بأن روسيا "قد توصلت إلى استنتاج مفاده أن تدهور علاقاتها مع إيران، وهو الأمر غير المستبعد إطلاقا في حالة تأييدها للعقوبات، سيصب في مصلحة علاقاتها مع الولايات المتحدة".
وتابع أن هذا الاستنتاج يتأكد بالنظر إلى أن المنافسة بين موسكو وواشنطن في ساحة ما بعد الحقبة السوفيتية قد زالت، ذلك أن أوباما "لا يضع المنطقة ضمن أولويات سياسته الخارجية" ولهذا فقد أفسح المجال لروسيا لتتولى زمام الأمور، وهو ما اتضح في تعاون الدولتين بتسهيل خروج رئيس قرغيزيا المطاح به كرمان بك باقييف.
ويبدو ان ما شجع روسيا على انتهاج هذه السياسة الجديدة هو شعورها بالاستياء والمهانة تجاه إيران عقب موافقة الأخيرة على الاتفاق الذي أبرمته مؤخرا مع البرازيل وتركيا، والذي ستقوم طهران بموجبه بمبادلة جزء من اليورانيوم قليل التخصيب الخاص بها مقابل وقود نووي.
وعلق لوكيانوف "لقد اقترحت روسيا وفرنسا نفس الاقتراح على طهران في نهاية 2009 ولكن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قد رفض".
وفي نفس السياق، وعلى الرغم من تأكيد موسكو أنها لن تحدث أي تغيير في ميزان القوى في الشرق الأوسط، إلا أن الكريملين قام مؤخرا بتعليق صفقة كان سيمد الجمهورية الإسلامية بموجبها بعدد من البطاريات المضادة للطائرات والمزودة بصواريخ S-300 ، وهي الصفقة التي طالما كانت الولايات المتحدة وإسرائيل ترفضانها.
ويقول الخبير الروسي "إن إيران تعرف أنها لن تحصل على الصواريخ سوى في حالة التوصل إلى حل للأزمة النووية"، مضيفا "لقد أعلنها الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف بوضوح: لن ننفذ العقد طالما أن النزاع قائم".
وعلى الرغم من هذه الإجراءات غير المسبوقة، فإن روسيا تدرك أن العقوبات الجاري بحث فرضها على إيران في مجلس الأمن، لن تؤثر على التعاون الممتاز الذي تقيمه مع النظام الإيراني منذ سنوات في مجالي الاقتصاد والطاقة.
ولأول مرة، كان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قد انتقد في مداخلة تليفزيونية الأسبوع الماضي، القادة الروس لتحالفهم مع من وصفهم بـ"أعداء إيران خلال أكثر من 30 عاما".
وصرح "تبرير سلوك ميدفيديف بات صعبا للغاية، فمؤخرا، أصبحت الأمة الإيرانية لا تعلم إذا كان الروس أصدقاء.. إذا كانوا معنا أم أنهم يبحثون عن أشياء أخرى. إنه أمر غير مقبول".
وبعد ذلك بساعات، اتهم الكريملين أحمدي نجاد بأنه "ديماجوجي"، وأكد أن "أي تطرف سياسي وغياب للشفافية عند اتخاذ القرارات التي تؤثر على كافة المجتمع الدولي وتشغله أمر مرفوض بالنسبة لروسيا".
وفيما يتعلق بكوريا الشمالية، فإن الكريملين أوضح موقفه خلال الأسبوع الماضي عند إعلانه أمر ميدفيديف إرسال مجموعة من الخبراء إلى سيول للتحقيق في غرق السفينة الحربية الكورية الجنوبية "تشيونان"، وهو الحادث الذي أسفر عن تصاعد التوتر بين الكوريتين.
ويعتبر الكريملين أنه يجب اتخاذ الإجراءات التي يراها المجتمع الدولي ضرورية ومناسبة عند التوصل إلى معلومات دامغة بشأن تورط شخص ما في حادث غرق السفينة.
يشار إلى أن روسيا، التي تشارك منذ 2003 في المفاوضات المتعددة والرامية لحل الأزمة النووية الكورية وتتقاسم مع كوريا الشمالية في حدود لمسافة 20 كلم تقريبا، ترغب في التوصل إلى نتائج عن حادث "تشيونان" عن طريق تحقيقاتها الخاصة.
وكان تحقيق دولي قد أكد أن طوربيدا من كوريا الشمالية أغرق "تشيونان" في 26 مارس/آذار الماضي في البحر الأصفر (البحر الغربي).
ووفقا للصحف الروسية، فإن الخبراء الذين تم إرسالهم إلى سيول هم الذريعة التي سيلجأ إليها الكريملين لتبرير تأييده للعقوبات ضد بيونج يانج في الأمم المتحدة.
وفي هذا الصدد، شدد لوكيانوف أن "الأوضاع مع كوريا الشمالية سخيفة حيث أن الكوريين الشماليين سيكونون قادرين في حالة الحرب على اللجوء إلى السلاح النووي، في حين أن العقوبات لن تؤثر عليهم لأنهم معزولون عن باقي العالم"، مضيفا أنه "ليس هناك مخرج".(إفي)