وبعد انقضاء يوم أمس الذي حمل في طياته الكثير من الأنباء التي تواردت من شتى اقتصاديات العالم الرئيسية، وأبرزها الاقتصاد الأكبر في العالم، الاقتصاد الأمريكي، إذ تبين يوم أمس الأربعاء أن مستويات التضخم لا تعتبر تهديدا على المدى القريب على الأقل، وهذا ما ظهر في مؤشر أسعار المنتجين عن شهر كانون الأول، الذي شهر ارتفاعا بأدنى من القرائتين السابقة والمتوقعة.
ويأتي اليوم عزيزي القارئ على الاقتصاد الأمريكي بيانات متوسطة الأهمية ولكن من شأنها أن تدعم التطلعات المستقبلية للاقتصاد الأمريكي، حيث بداية سيصدر التقرير الأسبوعي عن وزارة العمل الأمريكية، ألا وهو تقرير طلبات الإعانة عن الأسبوع المنتهي في السادس عشر من كانون الثاني، حيث من المتوقع أن تتراجع الطلبات بمقدار أربعة آلاف طلب لتصل إلى 440 ألف طلب مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت 444 ألف، بينما من المتوقع أن ترتفع طلبات الإعانة المستمرة لتصل إلى 4598 ألف طلب مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت 4596 ألف طلب.
مشيرين هنا بأن القطاع الأكثر تلقيا للأزمة الأسوأ التي مرت على الولايات المتحدة منذ الكساد العظيم، وهو قطاع العمالة الأمريكي، تأثر مؤخرا من التحسن الذي شهدته القطاعات الرئيسية في الاقتصاد الأمريكي، إلا أن تقدم الأوضاع في قطاع العمالة لا تزال بطيئة، وذلك وسط العوائق التي لا تزال تشكل عامل مثبط لتقدم الأنشطة في الاقتصاد الأمريكي ككل، متمثلة في معدلات البطالة المرتفعة إلى جانب أوضاع التشديد الائتماني، إضافة إلى تهديدات التضخم التي لا تزال غير واضحة على المدى البعيد.
ولكن يجب أن لا ننسى بالمقابل محاولات قطاع العمالة في الخروج من الأزمة، حيث شهدنا تراجع معدل البطالة الأمريكي خلال تشرين الثاني من نسبة 10.2% إلى 10.0% وهذا مؤشر ولو كان ضئيلا على أن القطاع يحاول بالفعل انتشال وضعه ليحقق التعافي التدريجي، كما أن حدة عمليات التسريح التي كانت الشركات تقوم بها في السابق قد تقلصت مؤخرا، وهذا وسط التقدم الذي لوحظ في النشاطات الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية.
وتنتقل بنا البيانات إلى القطاع الصناعي الذي سيصدر مؤشر فيلادلفيا الصناعي عن شهر كانون الثاني والذي من المتوقع أن يتراجع إلى 18.0 مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت 22.5، ومع ذلك فغن القطاع الصناعي الأمريكي كان الأبرز في التوسع بين القطاعات الرئيسية خلال الفترة الأخيرة، حيث لا نتوقع قفزة قوية لأي قطاع أمريكي وسط العوائق التي ذكرناها أعلاه، حيث أن مستويات الطلب والإنفاق لا تزال ضعيفة.
ويأتي أخيرا المؤشرات القائدة الأمريكية والتي ستكشف عن التطلعات المستقبلية للاقتصاد الأمريكي خلال الفترة ما بين ستة إلى عشرة شهور القادمة، حيث من المتوقع أن يتراجع المؤشر خلال كانون الأول إلى 0.7% مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت 0.9%، حيث أن الاقتصاد الأمريكي سيواصل خوض معركته الضروس ضد العقبات التي لم تتوانى عن إلقاء تأثيراتها السلبية على الاقتصاد الأمريكية والنشاطات فيه.
مشيرين عزيزي القارئ بأن المستثمرين الأمريكيين يفتقرون الثقة في الوقت الراهن وذلك وسط الأنباء التي تواردت عن الاقتصاديات الرئيسية حول العالم، إذ شهدنا يوم أمس أن الصين قد ضيقت الشروط الائتمانية لديها، إضافة إلى تعثر الاقتصاد اليوناني، وهذا من شأنه أن يبطئ عملية تعافي الاقتصاد العالمي.
وأخيرا أثيرت مخاوف الديموقراطيين يوم أمس سرعان ما احتل الجمهوريين مقعد ولاية ماساتشوستس الأمريكية الذي قلب موازيين السياسة الداخلية في الولايات المتحدة الأمريكية رأسا على عقب، إذ بهذا الفوز انتهت سيطرة الديمقراطيين وسط تحول الجمهوريين إلى صوت الأغلبية، وهذي المفاجأة دعت إلى فزع الكثيرين بخصوص برنامج الرعاية الصحية الذي هتف به الرئيس باراك أوباما ودعا بالعمل فيه أثناء حملته الإنتخابية، إذ أصبح مستقبل البرنامج مشكوك في أمره.
ولكن الأنباء التي تواردت يوم أمس سواءا من قبل الصين أو اليونان أو حتى فوز الجمهوريين، أعطت دفعة حادة للدولار الأمريكي ليرتفع أمام العملات الرئيسية ليعتلي العرش في سوق العملات، كما أن الدولار تمكن من الارتفاع اليوم أيضا، حيث بالإشارة إلى مؤشر الدولار ذلك المؤشر الذي يقيس قوة الدولار مقابل سلة من العملات الرئيسية من ضمنهم اليورو والجنيه الاسترليني والين الياباني، فقد ارتفع المؤشر خلال اليوم حتى الآن ليتداول حاليا عند مستويات 78.763 محققا أعلى مستوى له خلال اليوم عند مستويات 78.814 منذ افتتاح تداولاته عند مستويات 78.423 والمستوى الأدنى له خلال اليوم عند 78.225.
ولم يبقى لنا عزيزي القارئ إلا أن ننتظر البيانات الصادرة عن الاقتصاد الأمريكي، إضافة إلى نتائج الشركات التي لم تنفك عن مفاجأة الأسواق سواء بتفوقها على التوقعات أو بإظهار التعثر في الأداء، حيث من المؤكد أن الاقتصاد الأمريكي سيازمه المزيد من الوقت حتى يتمكن من تحقيق العافي التام متجها نحو النمو على المدى البعيد.