ودعنا الأسبوع الماضي الذي كانت جميع الأنظار فيه مسلطة على الاقتصاد البريطاني الذي أثقلت كاهله البيانات الاقتصادية المحبطة ، حيث ارتفعت أسعار المستهلكين لمستويات حرجة، و أظهر محضر اجتماع البنك المركزي التصويت بالإجماع على إيقاف سياسة شراء السندات الحكومية و إبقاء سعر الفائدة ثابتا، و توسع العجز في الموازنة بأسوأ وتيرة منذ عام 1993!
لنبدأ بأسعار المستهلكين التي قفزت خلال كانون الثاني متجاوزة الحد المسموح الذي حدده البنك المركزي عند %2.0 لتسجل أعلى مستوى منذ ما يقارب 14 شهرا عند 3.5% على المستوى السنوي، مما استدعى الحاجة للرسالة التوضيحية من السيد ميرفن كينغ رئيس البنك المركزي البريطاني.
بالنظر لتفاصيل المؤشر نرى أن أسعار المستهلكين ارتفعت بعد أن زادت أسعار المشروبات الكحولية، التبغ، و بعد أن زادت الفواتير من الفنادق و الاستراحات، و بعد أن قرر السيد دارلينغ وزير الخزينة رفع مستويات الضريبة لمستويات 17.5% بعد أن كانت بنسبة 15.0%، و صعدت تكلفة النقل خلال هذا العام لتسجل أعلى مستويات على الإطلاق، دعمت أسعار المستهلكين أيضا بارتفاع أسعار النفط الخام التي تضاعفت خلال العام الماضي لتسجل مستويات قريبة من 84$ للبرميل مقارنة بأدنى مستويات سجلتها خلال بداية العام الماضي حول 34$ للبرميل.
لنلقي الضوء الآن على رسالة السيد كينغ و التي بين فيها أسباب ارتفاع معدلات التضخم متأثرة بثلاثة عوامل قصيرة الأمد و هي أولا: معدلات الضريبة(VAT) التي ارتفعت بنسبة 2.5% لتسجل 17.5%، ثانيا: ارتفاع أسعار النفط الخام خلال العام الماضي بنسبة 70%، ثالثا: سعر صرف الذي امتاز بالاستقرار خلال العام الماضي، تأثير الانخفاض الحاد للجنيه الإسترليني خلال عام 2007 و 2008 لا يزال يغذي أسعار المستهلكين، و يتوقع البنك المركزي أن تبقى أسعار المستهلكين مرتفعة خلال الأشهر القليلة القادم، و لن تعاود الانخفاض للمستويات المستهدفة عند 2.0% قبل النصف الثاني من العام القادم، أما عن توقعات على المدى المتوسط و القصير ببقاء أسعار المستهلكين فوق 2%.
ردا على رسالة السيد كينغ، صرح السيد درالينغ بأنه يدعم بقوة الإجراءات التي أتخذها البنك المركزي البريطاني لكبح معدلات التضخم، و أضاف بأن العوامل الثلاثة قصيرة الأمد قد سببت ارتفاعا مؤقتا بمعدلات التضخم، أن التوقعات المستقبلية لأسعار التضخم مطابقة للتوقعات السابقة، و هذا التوقعات غير مؤكدة ، و صرح بان الاقتصاد قد اظهر تحسنا خلال العام الماضي، أعلن عن توقعه بارتفاع وتيرة النمو خلال عامي 2010 و 2011 .
صوتت لجنة السياسة النقدية البريطانية بالإجماع لإبقاء معدل الفائدة المرجعي عند مستويات 0.50% الأدنى منذ تأسيس البنك، و على إيقاف ضخ السيولة للأسواق المالية عن طريق السياسة المالية الغير اعتيادية، بعد تصاعد موجة التفاؤل بأن معدلات التضخم في الأراضي البريطانية ستعاود الاستقرار حول المستويات المستهدفة.
بقي معدل ILO للبطالة عن الثلاثة أشهر المنتهية في كانون الأول عند مستويات7.8% متوافقا مع التوقعات و القراءة السابقة، أن هذا الارتفاع الغير متوقع بمعدلات البطالة- طلبات الإعانة- في بريطانيا خلال كانون الثاني يعد نتيجة لاحقة لما خلفته أسوا أزمة اقتصادية ضربت الاقتصاد البريطاني منذ عام 1958، و جاء بعد أن استطاع الاقتصاد خلال الربع الماضي الخروج من دائرة الركود الاقتصادي ليسجل الناتج المحلي الإجمالي نموا بما نسبته 0.1%.
وصلنا للحدث الهام هذا الأسبوع و هو توسع العجز في الموازنة العامة خلال كانون الثاني بأسوأ وتيرة منذ عام 1993، جاء التوسع بالعجز في الموازنة العامة بعد أن انخفضت الحاصلات الضريبية ، و بعد ارتفاع القروض الحكومية التي تعد على المدى القصير جيدة و تدعم الأنشطة الاقتصادية، إلا أن الآثار السلبية تظهر على الأمد الطويل عندما لا تستطيع سداد هذه القروض.
ارتفاع طلبات الإعانة في الأراضي الملكية خلال الشهر الماضي ليسجل أعلى مستويات منذ 1997 بعد أن امتدت الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية حتى عام 2010، و تراجع الإيرادات – عن طريق الحاصلات الضريبية على الرغم من قيام الحكومة برفع الضريبة لمستويات قياسية عند 17.5%، هذه المعطيات تدعم التوقعات بتوسع العجز في الموازنة العامة ليسجل ما نسبته 12.6% من الناتج المحلي الإجمالي و هذا ما يزيد العقبات بوجه صانعي القرار في الأراضي الملكية.
عزيزي القارئ، أن الموقف في المملكة المتحدة قد أزداد تعقيدا فلقد توسع العجز في الموازنة العامة، ارتفعت معدلات البطالة، ارتفعت معدلات التضخم لمستويات حرجة، و لم تستطع المملكة تحقيق بنمو بالناتج المحلي يتجاوز 0.1%، و هذا ما يدعم التوقعات بتعرض هذه القراءة لتعديل للمستويات السالبة أي العودة لدائرة الركود الاقتصادي من جديد بعد ستة أرباع متتالية من الانكماش!
لننقل بالحديث عن منطقة اليورو التي أنكمش فيها أداء قطاع الخدمات في حين نما قطاع الصناعة، أن تراجع بيانات قطاع الخدمات يشكل خطر كبيرا خلال الفترة الراهنة خاصة و أن مساهمة قطاع الخدمات بالناتج المحلي الإجمالي سواء كان بألمانيا أو بمنطقة اليورو حوالي 70% لذلك فأن هذا تراجع سيكون أثره السلبي المباشر على مستويات النمو التي تراجعت مؤخرا لتسجل مستويات 0.1% خلال الربع الرابع بمنقطة اليورو ، في حين توقف النمو في ألمانيا صاحبة الاقتصاد الأوروبي العملاق ليسجل مستويات 0.0% خلال الربع الماضي،و تحسنت الأنشطة الصناعية بمنطقة اليورو بعد أن تحسنت مستويات الطلب العالمي على المنتجات الصناعية الأوروبية، فلقد بدأت الاقتصاديات العالمية تظهر إشارات لتعافيها من مرحلة الركود الاقتصادي، و هذا التحسن مدعوما أيضا بضعف اليورو أمام العملات الرئيسية خلال الثلاثة الأشهر الماضية و هذا له دور كبير بدعم المنتجات الأوروبية أمام منافستها.