فيينا، 5 يناير/كانون ثان (إفي): بحجر الدعوة التي وجهتها إيران لعدد من الدبلوماسيين الدوليين لزيارة منشآتها النووية تسعى الجمهورية الإسلامية إلى ضرب عدة عصافير في وقت واحد، وهو وقت حساس تمر به أزمة ملفها النووي.
فعلى الرغم من أن بعض المحللين يرون أن الخطوة الإيرانية تأتي في إطار مساعي طهران لتحسين صورتها الدولية، قبل استئناف المفاوضات حول برنامجها نهاية الشهر الجاري في إسطنبول، إلا ان آخرين يرون أن هذا مجرد واحد من أهداف عديدة تنطوي عليها هذه الزيارة التي أعد نظام محمود أحمدي نجاد تفاصيلها بدقة متناهية تتأكد عبر مجموعة من التفاصيل بداية من الدول التي تم اختيارها وحتى توقيت الدعوة.
فالجمهورية الإسلامية اختارت ان توجه دعوتها لسفراء كل من الصين وروسيا ومصر وكوبا، وهي دول قد يبدو للوهلة الأولى أنه لا يوجد رابط بينها، غير ان نظرة متأنية تظهر أن الاختيار لم يكن عشوائيا على الإطلاق.
فالصين وروسيا، عضوان دائمان في مجلس الأمن الدولي، وعلى هذا فإنهما من الدول المشاركة في مجموعة (5+1)، إلى جانب أنهما، على الرغم من موافقتها على العقوبات الدولية المفروضة على طهران، إلا أنهما أيضا من الدول التي تبدي في الغالب موقفا داعما لإيران بسبب قدر كبير من المصالح الاقتصادية والاستراتيجية المشتركة.
أما كوبا ومصر فربما كان كان سبب إدراجهما في الدعوة هو أن كلاهما عضوان بارزان في حركة دول عدم الانحياز وجي77 ، للدول النامية.
وعلى الرغم من ذلك فإن دعوة مصر يشوبها بعض الغموض بسبب "توتر" العلاقات بين الطرفين، وإن كانت رغبة حكومة القاهرة مؤخرا في تنفيذ برنامج نووي سلمي ربما تعتبر أحد العناصر التي لعبت عليها طهران.
واستبعدت إيران، التي تصف تصرفها بأنه "أحد بوادر حسن النية"، من هذه الزيارة دعوة الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، أبرز منتقدي الملف النووي الإيراني.
وعلى هذا فإنه، بالنظر إلى انتقاء إيران للدول المدعوة، يظهر الهدف الثاني من الخطوة الإيرانية، وهو محاولة تقسيم القوى العظمى الست المشاركة في الاجتماع المقرر اجراؤه في إسطنبول قبل بدايته.
بمعنى آخر أن دعوة روسيا والصين، وكلاهما طرف في المفاوضات يتخذان موقف شبه مؤيد لإيران في هذه القضية ولكنه في نفس الوقت متردد بسبب مخاوف من الأسلحة الذرية، واستبعاد باقي أطراف المفاوضات التي تهاجم طهران جاء لاثارة حالة من الانقسام بين الدول الكبرى التي تسعى لحل النزاع.
أما بخصوص الموعد الذي تم تحديده في 15 و16 من الشهر الجاري، أي قبل أيام قليلة من استئناف الحوار في إسطنبول مع مجموعة 5+1 التي تضم كلا من روسيا والصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، فياتي في إطار التفاصيل الدقيقة التي تكمل الصورة.
ومن ضمن العوامل التي يجب النظر إليها هو أن المدعوين لزيارة المنشآت النووية الإيرانية ليسوا علماء وإنما سفراء، مما يعني أنهم لا يتمتعوا بالمعارف الفنية اللازمة لتحليل هذه المنشآت.
ومن جانبه، قال خبير معهد وودرو ويلسون بواشنطن، مايكل ألدر في مكالمة هاتفية مع (إفي) "من الواضح أن إيران ترغب في تحسين موقفها بالمفاوضات، واظهار أنها ليس لديها شيء تخفيه وأن برنامجها النووي سلمي".
واعتبر ألدر، الذي يتابع منذ عدة سنوات الملف النووي، أن هذا الأمر ليس سوى مجرد "لعبة" من طهران في اطار المفاوضات الدولية، ولكنه أبرز في نفس الوقت ادراج أعمال انشاء مفاعل الماء الثقيل في آراك داخل الزيارة بجانب منشآة تخصيب اليورانيوم في ناتانز.
وصرح ألدر "مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم يستطيعوا سابقا دخول مفاعل آراك كما يرغبون ولهذا فإن ادراجه في هذه الزيارة أمر يلفت الانتباه".
وقال مصدر مقرب من الوكالة الدولية لـ(إفي) إن إيران لديها في مفاعل ناتانز قرابة تسعة آلاف جهاز طرد مركزي، وتخضعه لاجراءات أمنية قومية.
ويطالب مجلس محافظي الوكالة الدولية ومجلس الأمن منذ خمس سنوات إيران بوقف الأجزاء الحساسة في برنامجها النووي مثل تخصيب اليورانيوم ومفاعل آراك الذي ينتج البلوتنيوم، وكلاهما يمكن استخدامهما عسكريا ولكن طهران تؤكد أن أهدافها علمية وسلمية. (إفي).