هافانا، 6 نوفمبر/تشرين ثان (إفي): من الملاحظ أن الحكومة الكوبية الحالية التي يرأسها الجنرال راؤول كاسترو تقوم تدريجيا بـ"ترشيد" المنتجات المدرجة في "بطاقة الترشيد" التي تعد من أبرز علامات حكم شقيقه الأكبر فيدل الذي استمر نحو نصف قرن، وذلك في ظل التراجع الاقتصادي الخطير الذي تشهده الجزيرة الكاريبية في الوقت الحالي.
فعلى مدى الأشهر الأخيرة خفضت الحكومة حصص المواد الغذائية التي تقدم باسعار مدعمة إلى 11 مليون كوبي تحت ما يسمى رسميا بـ"بطاقة التموين" والتي لا يتوقع لها أن تستمر طويلا وفقا لتوقعات الكثيرين ومن بينهم وسائل الإعلام الرسمية.
واعتبارا من الشهر الجاري تم استثناء ثمار البطاطس والبازلاء من بطاقة التموين دون إبلاغ المواطنين مسبقا أو إبداء توضيحات كالمعتاد في البلد الوحيد في الأمريكتين الذي يحكمه حزب شيوعي والذي لا يزال فيدل كاسترو الأمين العام له.
ويتعين على المواطنين الكوبيين الآن شراء هذه المنتجات من السوق الحرة، دون حد للكمية، ولكن بضعف السعر المدعم، مع العلم بأن أسعار السوق لا تقارن بمثيلاتها في العديد من الدول الاخرى (يبلغ سعر كجم البطاطس 10 سنت).
وكانت الحكومة قد خفضت في وقت سابق حصص منتجات غذائية أخرى بالإضافة إلىالملح دون سابق انذار أيضا، حيث يطلع الكوبيون على تلك القرارات لدى توجههم إلى منافذ البيع الرسمية ببطاقات التموين أو من خلال لجان الدفاع عن الثورة المنتشرة في كل أحياء الجزيرة وتعتبر "صوت النظام".
وألغت الحكومة أيضا بشكل تجريبي ما يسمى بـ"وجبات العمال" في اربع وزارات بسبب ارتفاع نفقات تلك الخدمة على خزينة الدولة والانتقادات التي أثيرت حول تراجع جودتها وهي وزارات العمل، والتأمين الاجتماعي، والمالية، والتجارة الداخلية والاقتصاد والتخطيط.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن هناك 24 ألف و700 صالة طعام للعمال تستوعب 3.5 مليون شخص وتكلف الدولة 350 مليون دولار لتوفير الأرز واللحوم والحبوب والزيت فقط دون حساب المواد الغذائية المكملة والوقود المستخدم لإشعال المواقد للطهي.
وأفاد خبراء اقتصاديون ومحللون ودبلوماسيون لوكالة (إفي) بان سبب هذا الانخفاض في تقديم الاغذية المدعمة من قبل الدولة يرجع إلى "الإصلاحات الهيكلية" التي تعهد بها الجنرال راؤول كاسترو في عام 2007 بينما يعتقد البعض انه يرجع إلى نقص السيولة لدى الحكومة.
وكان وزير التجارة الخارجية والاستثمار الاجنبي في كوبا رودريجو مالميريكا قد أقر في تصريحات صحفية سابقة ان أغلب جزر الانتيل، التي تتضمن جزيرة كوبا، تشهد واحدا من أخطر أزمات الركود الاقتصادي خلال العقود الاخيرة والتي أدت إلى انخفاض الصادرات من السلع بنسبة 36% خلال الاشهر التسعة الاولى من عام 2009.
وخفضت حكومة هافانا توقعاتها للنمو الاقتصادي لعام 2009 من 6% إلى 1.7%، لكن المحللين يتشككون في إمكانية تحقيق تلك النسبة.
وعلى الرغم من عدم لجوء الحكومة إلى تجميد رواتب العاملين وتشديدها على استبعاد هذا الإجراء تماما، إلا أنها لا تلتزم بسداد الديون المستحقة عليها، وقامت بتجميد حساباتها بالعملة الصعبة في العديد من الشركات الاجنبية.
ويعد هذا الامر أحد محاور الزيارات الاخيرة التي قام بها المفوض الاوروبي للتنمية البلجيكي كارل دي جوشت ووزير الخارجية الإسباني ميجل أنخل موراتينوس للجزيرة.
وشهدت مأدبة العشاء السنوية لجمعية رجال الاعمال الإسبان في كوبا الخميس الماضي توترا شديدا بسبب مطالبة رجال الأعمال للمسئولين الكوبيين الحاضرين بضرورة رفع الحظر المفروض على الحوالات بالعملة الصعبة قبل إفلاس المزيد من الشركات.
وأفادت المصادر الإسبانية بانه بجانب ملياري يورو هي قيمة الديون الرسمية الكوبية لإسبانيا، يوجد 600 مليون يورو أخرى متأخرة السداد للشركات التجارية الإسبانية التي تورد منتجات للجزيرة.
ولا تتضمن تلك الأرقام تجميد حسابات الشركات الإسبانية التي تقوم باستثمارات في كوبا أو التزامات الشركات المختلطة.
وهناك حسابات أخرى تثير القلق وهي الإحصائيات الرسمية التي تؤكد انخفاض عوائد السياحة بنسبة 12% حتى سبتمبر/أيلول الماضي مقارنة بالفترة نفسها من 2008 وذلك على الرغم من ارتفاع عدد السياح بما يزيد عن 3% عن العام الماضي.
جدير بالذكر ان السياحة لاتعد فقط من أهم مصادر العملة الصعبة في كوبا، بالإضافة إلى تصدير الخدمات وأطقم الرعاية الطبية للخارج، بل هي أيضا محور الاستثمارات الإسبانية في الجزيرة. (إفي)