تغادر بريطانيا أكثر من مليون سيارة جديدة سنويًا متجهة إلى أوروبا وباقي العالم. ومع ذلك عند مغادرة سيارة واحدة تصل مكانها اثنتان من الخارج، في شهادة على اعتماد المملكة المتحدة العميق على مصانع السيارات في الخارج للحفاظ على مخزوناتها الأمامية.
ودفع احتمال فرض رسوم جديدة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بعض شركات صناعة السيارات إلى التفكير في تمزيق هذا الترتيب الذي استمر عقودا من الزمن، عن طريق تصنيع مزيد من سياراتهم المباعة محليًا داخل بريطانيا.
وقال كارلوس تافاريس، الرئيس التنفيذي لشركة “فوكسهول” لصناعة السيارات البريطانية :” من الجيد دائمًا تصنيع السيارات بالقرب من السوق التي تبيعها فيها بشكل عام.. لذلك أنا أحب تصنيع العديد من المركبات في المملكة المتحدة لسوق المملكة المتحدة ولكن أصبح هذا الأمر على المحك مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”.
وذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” أنه لن يتم النظر في تكييف المصانع البريطانية للإنتاج المحلي البحت إلا إذا تم تطبيق التعريفة الجمركية، إذ يعتبر الترتيب الحالي السلس عبر الحدود مع الاتحاد الأوروبي، مربحًا للغاية.
وأوضحت الصحيفة البريطانية ان مثل هذا التغيير من شأنه أن يجعل الصناعة البريطانية أشبه بالولايات المتحدة، حيث تستورد نصف سياراتها فقط، أو مثل الصين حيث يصل الرقم إلى 5% بسبب رسوم الاستيراد العقابية.
وأضافت الصحيفة، أن كلا السوقين ضخم .. لكن الصين لديها أكبر عدد من السكان في العالم، وطبقة متوسطة متنامية لدعم آفاق نمو قوية لمصنعي السيارات في البلاد.
وسيكون من المستحيل على المملكة المتحدة، أن تصبح مكتفية ذاتياً بالكامل، إذ لا يمكن إنتاج أكثر السيارات شعبية مثل “فورد فييستا” بشكل تنافسي داخل بريطانيا.
حتى الولايات المتحدة التي لديها بعض المصدرين ذوي القيمة العالية ، ومنها “بى إم دبليو” و “مرسيدس”، تعتمد على منشآت مكسيكية لصنع سيارات غير اقتصادية لإنتاجها داخلياً.
وأشارت “فاينانشيال تايمز” إلى أن فكرة تحويل صناعة السيارات التي تعتمد على التصدير في بريطانيا إلى صناعة ذات تركيز محلي أكبر، حظيت باهتمام جديد بعد أن نشرت الصحيفة الأسبوع الماضي أن “نيسان” وضعت خططاً لمضاعفة إنتاجها في المملكة المتحدة إذا واجهت تعريفة تصدير جديدة.
ورداً على ذلك، قالت شركة صناعة السيارات اليابانية إنها صاغت كل التداعيات المحتملة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وتابعت “نيسان “: “لا تزال الحقيقة تتمثل فى أن أعمالنا كلها في المملكة المتحدة وأوروبا ليست مستدامة في حالة تعريفة منظمة التجارة العالمية”.
وعادةً ما تحاول مصانع السيارات الاستفادة من المزايا التنافسية من خلال بناء نموذج أو نموذجين بكميات كبيرة، والتي يقومون ببيعها بعد ذلك في ولايات قضائية متعددة ( كل دولة في الدولة الفيدرالية مثل أستراليا وألمانيا والولايات المتحدة تشكل ولاية قضائية منفصلة).
ويتمثل أحد التحديات الجديدة في زيادة التركيز المحلي على تصنيع سيارات متعددة على نفس الخط، مما يقلل من ربحية المصنع.
وقال أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في الصناعة :”الحجم هو دائمًا أحد المحركات للحصول على القدرة التنافسية.. فليس من المنطقي أن تصنع كثير من الطرازات ذات الحجم الصغير”.
وذكرت الصحيفة البريطانية أن جنوب إفريقيا وأستراليا كانتا تمتلكان صناعات محلية للسيارات.. لكنهما كانتا تفتقران إلى النطاق لدعم مصانعهما.
سيارات مصنعة في بريطانيا
وتكيفت جنوب إفريقيا عن طريق تقليل عدد النماذج التي قدمتها، وبأن تصبح مركزًا دوليًا للتصدير.. وأصبحت لديها الآن عمليات كبيرة من “بي ام دبليو” و “فورد” و “تويوتا ” و “فولكس فاجن”.
لكن صناعة السيارات الأسترالية تراجعت بعد فشلها في التطور، خصوصا بعد ضعف اتفاقية التجارة الحرة مع تايلاند التى دفعت البلاد لإغلاق مصنعها النهائي في عام 2017.
وحذر المسؤولون التنفيذيون في الصناعة، من أن المصانع المعرضة لسوق متوسطة الحجم واحدة مثل المملكة المتحدة، تواجه مخاطر أعلى بكثير، إذ يعتمد الإنتاج فقط على الطلب المحلي بدلاً من موازنته بين عدة دول.
ومع ذلك، فإن فكرة الإنتاج المحلي، حصلت على مزيد من الائتمان . فالتقدم في التصنيع يعني أن شركات صناعة السيارات يمكنها الضغط على مجموعة أكبر من الطرازات أسفل خط الإنتاج نفسه، مما يخفف من تآكل الأرباح الناجم عن التعقيد الإضافي.
ويكمن أحد التحديات الكبيرة بسلسلة الإمداد، فى أنه لا تأتي الأجزاء الكافية التي تدخل في السيارات البريطانية من المملكة المتحدة، مما يترك المصانع تواجه تكاليف أعلى لبناء السيارات في بريطانيا إذا تم فرض رسوم الاستيراد.
ووفقًا لقواعد منظمة التجارة العالمية، تواجه السيارات تعريفة بنسبة 10% ، في حين يتم شحن قطع الغيار بنسبة 2.5%.
وقال جوستين كوكس، رئيس الإنتاج العالمي لدى “إل إم سى اوتوموتيف” إن السيارات الكهربائية، التي تحتوي على عدد أقل من الأجزاء وخطوط الإمداد الأقصر، قد تساعد في تخفيف ذلك ، رغم أن كثيرين سيعتمدون على مصادر البطاريات.
وثمة عقبة أخرى تتمثل فى الطلب . فسوق بريطانيا متواضع لدرجة أن العديد من مصانعها ستكون أقل بكثير من مستويات الإنتاج اللازمة للبقاء على قيد الحياة، فور تجريد الصادرات.
وقام مجمع تصنيع “نيسان ساندرلاند” وهو أكبر من مصانع شركتي “تويوتا” و “فوكسهول” مجتمعة ولديه قدرة تصنيع 600 ألف سيارة، بإنتاج 320 ألف سيارة العام الماضي، في حين بلغ إجمالي مبيعات “نيسان” في المملكة المتحدة 90 ألف سيارة.
وتضمنت خطة “نيسان” للطوارئ الخاصة بتعريفة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، زيادة المبيعات لتصل إلى 20% من سوق المملكة المتحدة والتي تعادل 400 ألف سيارة وهو ما تعتقد الشركة أنه يكفي للحفاظ على مستقبل المبيعات.
وقال لورانس:”عليك إما أن تنظر في تخفيض منتجات مصنعك، أو أن تكون متعدد المنتجات لتعزيز مستوى العمل في المملكة المتحدة.”