فى يوم الجمعة 10 أبريل، كانت عمليات الإغلاق فى العديد من الدول فى أشد حالاتها، بعد أن حددت أماكن إقامة الناس فى منازلهم وقوضت أنشطتهم، وكان الناتج المحلى الإجمالى العالمى فى ذلك اليوم أقل بنسبة %20، مما ينبغى أن يكون عليه.
منذ ذلك الحين، رفعت الحكومات تدابير الإغلاق، وبدأت الاقتصادات فى الانتعاش، إذ يتوقع المحللون نمو الناتج المحلى الإجمالى العالمى بنسبة %7 أو أكثر فى الربع الثالث من العام الحالى، مقارنة بالربع الثانى.
وذكرت مجلة «ذى إيكونوميست» البريطانية، أن هذا الانتعاش ربما يبدو وكأنه على شكل حرف «V» بشكل ملحوظ، لكن العالم لايزال بعيداً عن وضعه الطبيعى، حيث تواصل الحكومات تطبيق تدابير التباعد الاجتماعى للسيطرة على الوباء، مما يحد من الناتج الاقتصادى.
كما أن الناس لايزالون يشعرون بالتوتر من إمكانية تعرضهم للإصابة، ويقترب عدم اليقين الاقتصادى بين كل من المستهلكين والشركات من مستويات قياسية، مما يفسر على الأرجح امتناع الشركات عن الاستثمار.
وفى الوقت نفسه، أوضحت حسابات بنك «جولدمان ساكس»، أن تدابير التباعد الاجتماعى تستمر فى خفض الناتج المحلى الإجمالى العالمى بنسبة بين %7 و%8، وهو ما يتماشى مع توقعات «ذى إيكونوميست» السابقة فى أبريل، عندم وصاغت مصطلح «%90 اقتصاد» لوصف ما يمكن حدوثه بمجرد بدء رفع تدابير الإغلاق.
ومع ذلك، رغم أن الاقتصاد العالمى يعمل بتسعة أعشار قدرته، إلا أن هناك تبايناً كبيراً بين الصناعات والدول، فالبعض يعمل بشكل جيد نسبياً وبشكل جيد إلى حد مفاجئ، بينما يعمل البعض الآخر بشكل مخيف.
ويعتبر التباين فى الأداء الاقتصادى بين الدول هو أكثر إثارة للانتباه، فمن الشائع تباين معدلات النمو فى فترات الركود، لكن حجم الانهيار فى الناتج الاقتصادى هذا العام يدل على أن التباين بين معدلات نمو الدول هائلة.
ومع ذلك، من المتوقع أن تصل فجوة النمو بين الدول الأفضل والأسوأ أداءً فى مجموعة الدول الـ7 الكبرى عام 2020 إلى %6.7، وهى أكبر بكثير من تلك التى حدثت خلال الانكماش العالمى الأخير الذى حدث قبل عقد من الزمن.
وذكرت المجلة، أن الصين فقط هى الدول الوحيدة من بين الاقتصادات الكبيرة المستعدة لتسجيل نمو اقتصادى فى عام 2020، فى حين تواجه بعض الدول، مثل الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، انكماشاً، ولكنه بالكاد يكون كارثياً.
وعلى النقيض من ذلك، يبدو أن بريطانيا تسير فى طريق أعمق ركود لها منذ الصقيع العظيم عام 1709.
ويرى بعض خبراء الاقتصاد، أن الفجوة الهائلة بين الدول هى سراب إحصائى يعكس طرقاً مختلفة لحساب أرقام الناتج المحلى الإجمالى.
ففى بريطانيا، على سبيل المثال، الطريقة التى يجمع بها الإحصائيون الإنفاق الحكومى تعنى أن إغلاق المدارس وإلغاء المواعيد فى المستشفيات لهما تأثير أكبر على الناتج المحلى الإجمالى أكثر من أى مكان آخر، لكن هذا التأثير ضئيل، فقد نتج الجزء الأكبر من الانخفاض فى الناتج الاقتصادى عن القطاع الخاص.
وبدلاً من ذلك، تدهور الأداء بناءً على 3 عوامل، أولها يتمثل فى التكوين الصناعى، فقد كانت الدول، مثل اليونان وإيطاليا، التى تعتمد على البيع بالتجزئة والضيافة، تبدو دائماً أكثر عرضة للخطر من ألمانيا على سبيل المثال، كما أن قطاعها الصناعى الكبير استفاد من انتعاش السلع العالمية.
ويتمثل العامل الثانى فى الثقة، التى يبدو أنها تُحدد بناء على تجربة بلد ما تطبق فيه تدابير الإغلاق، فمن المرجح أن يكون الأداء الاقتصادى الضعيف لبريطانيا مرتبطاً بتعامل الحكومة السيئ مع الوباء.
أما العامل الثالث فهو التحفيز، فربما يكون المشرعون الأمريكيون غير قادرين على التوصل إلى اتفاق بشأن حزمة التحفيز، لكنهم قدموا بالفعل أكبر حزمة إنقاذ فى العالم بالنسبة لحجم اقتصاد بلادهم، وتعتقد منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية أن الولايات المتحدة ستكون واحدة من أفضل الدول الغنية أداء هذا العام.
ربما يكون من المغرى التفكير فى أن اللقاح، إذا أمكن نشره على نطاق واسع بما فيه الكفاية، سيعيد الحياة إلى طبيعتها سريعاً، لكن ستكون هناك ندوب، إذ يدل امتناع الشركات عن الاستثمار على رأسمال إنتاجى أقل فى المستقبل، كما أن عدداً متزايداً من العمال الأمريكيين يعتقدون أنهم لن يعودوا إلى وظائفهم القديمة، بالإضافة إلى ذلك، ستستغرق عملية إعادة تخصيص الموارد الزائدة عن الحاجة إلى شركات أكثر إنتاجية، بعض الوقت.
ويعتقد واضعو أسعار الفائدة فى البنك الاحتياطى الفيدرالى، أن البطالة لن تعود إلى معدلها السابق للوباء البالغ %4 حتى عام 2023، بينما يعتقد المحللون فى «جولدمان ساكس» أن هذا الأمر لن يحدث قبل عام 2025، رغم شعورهم بالتفاؤل تجاه إمكانية توزيع اللقاح على نطاق واسع قريباً.
وبقدر ما يكون للوباء نفسه آثار طويلة الأمد، فإن التراجع الناجم عنه سيجعل الاقتصاد العالمى دون المستوى لبعض الوقت فى المستقبل.