فكرة أن «الوقت قد حان لشراء الأسهم الأوروبية» تعد من أصعب أفكار التداول الدائمة التى لا تنجح كما ينبغى بطريقة أو بأخرى.
ومن المؤكد أنه كل بضعة أشهر، ستظهر مذكرات أو مقالات استراتيجية توضح سبب اعتقاد المستثمرين أن الوقت قد حان للاستثمار فى أوروبا، ثم بعد ذلك بوقت قصير، ستنخفض الأسهم الأوروبية.
أدرك ذلك تماماً، خاصة أننى كتبت فى مقال فى يوليو 2021 مثالاً على ذلك، تحدث مديرو الصناديق بحماس عن المراجعات الإيجابية لأرباح الشركات فى منطقة اليورو، وتعافيها من صدمة كوفيد، وتوقعات أضعف لأسعار الفائدة، مقارنة بالجانب الآخر من المحيط الأطلسى. ضمن أمور أخرى، تم الاستشهاد بما سبق بعدها من أسباب تضاف إلى الارتفاع الكبير الذى حدث بالفعل، وكان مستمراً منذ التفشى الأولى للوباء.
لم يكونوا مخطئين، فبحلول بداية 2022، كان مؤشر «ستوكس 600» أعلى بنحو 8%.
المشكلة كانت أنه لم يتوقع أحد قدوم الحرب الروسية ـ الأوكرانية لتزيل الارتفاع، وبحلول نهاية العام الماضى، كانت الأسهم أقل بنحو 6% من نقطة البداية.
لا شك أن اندلاع الحرب صدمة خارجية؛ حيث لم يكن أى مدير صندوق عاقل يتوقع ذلك فى صيف 2021، لكن يمكن أن نعذر المستثمرين العالميين لاعتقادهم أن الأسهم الأوروبية لا تستحق العناء.
مر مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بعام صعب فى 2022 بالتأكيد، لكنه لا يزال مرتفعاً أكثر من 50% فى الأعوام الخمسة الماضية، ولا يمكن لأى مؤشر أوروبى رئيسى أن يقترب منه.
بالنظر إلى مؤشرات «إم إس سى آى» القائمة على الدولار لإزالة تأثيرات العملة من المقارنات، ارتفع مؤشر «إم إس سى آى أوروبا» بنسبة ضئيلة تبلغ 5%، بينما انخفض مؤشر ألمانيا 13%، كما أن ارتفاع مؤشر فرنسا 17% جيد، لكن ليس بقدر ارتفاع الولايات المتحدة.
مع ذلك، لا شك فى أنك تستطيع أن ترى إلى أين يتجه هذا، وأنت تسأل نفسك بالفعل: هل حان الوقت لشراء الأسهم الأوروبية؟
فى ظل خطورة الإقدام على خطوة مجهولة المصير، يعتقد كثير من المستثمرين أن الوقت قد حان.
فى الواقع، إن أفضل استراتيجية هى ركوب آلة زمن، والعودة إلى أكتوبر، والشراء عند النقطة التى اتجهت فيها الأسواق الخطرة فى جميع أنحاء العالم إلى الصعود لأسباب لا يزال المحللون يتجادلون حولها.
وارتفع مؤشر يورو ستوكس 600 نحو 20% من تلك النقطة.
إذا كانت آلتك الزمنية معطلة، فستواجه مهمة أصعب إلى حد ما، خاصة أن هذه الفئة أثبتت مسبقاً أنها فئة أصول لا تضاهى لعام 2023.
وهذا الأداء المتألق ليس ما كان يتوقعه المستثمرون والمحللون كثيراً.
فقد كانت توقعات المراكز الاستثمارية المنخفضة أو الرهانات السلبية الصريحة محل إجماع ساحق لعام 2023، وكان مديرو الصناديق مبتعدين، لكن بعض الأمور سارت على نحو خاطئ فى تلك التوقعات، وعلى نحو صحيح فى أوروبا.
أولاً الطقس، نحن جميعاً علماء أرصاد جوية مبتدئون الآن، نلاحظ بإدراك أن أوروبا لم تتجمد فى أزمة طاقة تتسم بالركود خلال الشتاء، كما كان يخشى الاقتصاديون، ومن الواضح أن هذا ليس عاملاً اقتصادياً كلياً يمكن الاعتماد عليه على المدى الطويل خاصة.
أيضاً انعكس الصعود العالمى المحير فى الأسهم العالمية بوضوح، لكن يمكن القول إن أكبر دفعة جاءت من الصين، التى انتشر أثر تخليها عن سياسات «صفر كوفيد» الأسرع من المتوقع فى جميع أنحاء أوروبا، الأمر الذى أسهم فى رفع الطلب على كل شىء بدءاً من السيارات، إلى قطاع الصناعات الثقيلة فى ألمانيا، إلى شركات الرفاهية القوية فى فرنسا وإيطاليا، كما ساعد على تليين حركة سلاسل التوريد التى يحتاج إليها التصنيع الأوروبى.
وتعتبر كلاوديا بانسيرى، الخبيرة الاستراتيجية فى «يو إس بى ويلث مانجمينت»، من بين الذين يرون أن هذا سيستمر أكثر، فهى تقول «كان الناس يعيدون النظر. كان الجميع سلبياً جداً نهاية العام الماضى، وتوقعوا أزمة طاقة وضغطاً هائلاً على الأرباح».
الآن، تأتى أموال جديدة من مؤسسات استثمارية، من ضمنها التى تنتقل من الولايات المتحدة إلى أوروبا؛ حيث التقييمات أقل بكثير، حسب قولها.
بالنظر إلى الصورة الكبرى، يوضح ذلك أحد الأسس الرئيسية لهذا الموضوع، فأحد الأسباب التى جعلت الولايات المتحدة تهزم أوروبا فى أداء السوق لعقود هو وزن أسهم التكنولوجيا الثقيل فى أسواقها، بما فيها الأسهم فى الشركات الخاسرة التى كان يراها بعض المستثمرين منطقية، على الأقل حين كانت العائدات على الأصول الأكثر أماناً زهيدة، هذا إن كانت هناك عائدات أصلاً.
كان المستثمرون على استعداد لانتظار وصول الأرباح لاحقاً.
وقد وضع التضخم المرتفع والارتفاعات الحادة فى أسعار الفائدة حداً لذلك.
الآن، كما تقول بانسيرى، «أصبحت تقييمات التكنولوجيا موضع شك، ويريد كثيرون تقليل انكشافاتهم على قطاع النمو».
لطالما كان البطء والثبات نقطة قوة الأسهم الأوروبية، لكنها لم تنجح أبداً فى عصر المال السهل.
الآن هناك على الأقل فرصة فى أن تستمر.
بقلم: كاتى مارتن، محررة الأسواق فى «فاينانشيال تايمز»
المصدر: صحيفة «فاينانشيال تايمز»