من دارين بتلر
سروج (تركيا) (رويترز) - ماتوا دفاعا عن كوباني .. لكن مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية يحكمون سيطرتهم حول هذه المدينة الكردية الحدودية السورية حتى أن أسرهم لا تعرف متى يمكنها العودة لإقامة مراسم الدفن اللائقة لهم.
وبدلا من ذلك يوارى المقاتلون الأكراد الثرى في قبور حفرت على عجل في تركيا على بعد نحو عشرة كيلومترات على الجانب الآخر من الحدود من المدينة التي قاتلوا لإنقاذها من المتشددين الذين يطبقون عليها.
ودفن يوم الخميس تسعة مقاتلين أكراد من وحدات حماية الشعب الكردية بالقرب من سروج التي نقلوا إليها مصابين بجراح في المعارك الدائرة رحاها منذ ثلاثة أسابيع.
وفي الانتظار أربعة قبور أخرى. وتذهب تقديرات المراقبين إلى أن بضع مئات ماتوا في كل من الجانبين حيث أظهر مقاتلو الدولة الإسلامية المدججون بالسلاح تفوقهم على المدافعين الأكراد الأقل تسليحا لكنهم يتحلون بالعزيمة والإصرار.
وقال بكير شاه أحمد (71 عاما) الذي كان يقف إلى جانب كومة من التراب "هذه أوقات عصيبة. أنا مسلم أيضا فلماذا يفعلون هذا؟"
وتجمع نحو 300 من المعزين معظمهم رجال بالقرب من القبور التي تم تحديد مكانها بالحجارة ونثرت عليها بعض الزهور. وألقى رجل كردي سوري عظة عبر مكبر للصوت أثنى فيها على القتلى بوصفهم شهداء ودعا الآخرين إلى التضحية بأرواحهم.
ودكت المدفعية الثقيلة لتنظيم الدولة الإسلامية كوباني طيلة عدة أيام ولجأ الجانبان كلاهما إلى الهجمات الانتحارية في المدينة التي تقع على طريق بري سريع يمتد من الشرق إلى الغرب موازيا للحدود التركية.
وتريد الدولة الإسلامية السيطرة على كوباني لتعزيز اجتياحها في شمال العراق وسوريا الذي أثار موجات صدمة في أنحاء الشرق الأوسط.
ويبدو أن الضربات الجوية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة أبطأت تقدم مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية لكنها لم توقفه. وهم يسيطرون على أجزاء من شرق كوباني ويرفرف علم التنظيم الأسود على تل يطل على الشوارع الترابية للمدينة.
وتذهب التقديرات إلى أن 200 ألف شخص فروا من المعارك الدامية في كوباني إلى تركيا ويقول مسؤولون أكراد ان بعض المدنيين ما زالوا محاصرين. وقد اصبح من المستحيل الذهاب في الاتجاه المقابل لأي سبب غير الانضمام للقتال.
كان أحمد البالغ من العمر 35 عاما الذي يتشح بالسواد اعتاد أن يتسلل عبر الأسلاك الشائكة على الحدود من تركيا إلى كوباني ليطمئن على قريبه سيدو محمد جومو وهو أب لأربعة أطفال عمره 40 عاما. ولكنه الآن يدفنه في قبر حفر على عجل في تركيا.
وقال أحمد الذي لم يذكر اسم أسرته "قلوبنا تنفطر لرؤية هذا. أبلغنا مسؤولو المستشفى أنه مات أمس."
ويقول قادة عسكريون أكراد إنهم سيقاتلون حتى النهاية الأمر الذي يثير مخاوف أن تقع مذبحة في كوباني إذا سقطت في نهاية الأمر.
وقال أحمد "ذهبت إلى كوباني الشهر الماضي وقضيت ليلة هناك وساعدتهم في حفر خنادق حول المدينة. كل ما يحتاجون إليه هو السلاح."
ولاتظهر كلماته الحزن والأسى فحسب بل تنطوي أيضا على تلميح إلى مشاعر خيبة الأمل لما يراه البعض بعدا سياسيا يزداد وضوحا لحصار مدينة أظهر التحالفات الهشة والمنافسات في مشهد بالغ التعقيد.
وعلى مسافة قصيرة من قبور المقاتلين الأكراد كان ثلاثة شبان ملثمين يرفعون عاليا أعلام حزب العمال الكردستاني المحظور.
وخاضت انقرة معركة استمرت 30 عاما لمكافحة تمرد حزب العمال الكردستاني الذي يطالب بمزيد من الحكم الذاتي وتربطه بالجماعات المسلحة التي تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية روابط وثيقة.
وعرضت أنقرة مساعدات إنسانية لكن المسؤولين الأتراك أوضحوا أنهم غير مستعدين لمساعدة جماعات يعتبرونها إرهابية ولا يريدون جرهم إلى حرب برية في سوريا حيث أدت المعارك منذ مارس آذار عام 2011 إلى نزوح زهاء 1.2 مليون شخص عبر الحدود.
وقتل هذا الأسبوع 21 شخصا حينما اجتاح جنوب شرق تركيا الذي يغلب الأكراد على سكانه بعض من أشد المظاهرات عنفا منذ سنوات. وثارت مخاوف أن تنهار عملية السلام الهشة التي تهدف إلى نزع سلاح حزب العمال الكردستاني.
وقال عبد القادر داشديمير (57 عاما) الذي سافر من اسطنبول إلى سروج للتعبير عن تضامنه مع كوباني "هؤلاء أبناؤنا. لا نريد أن يموتوا. إنهم يتعرضون للقتل بشراسة."
وأضاف قوله "تركيا وأمريكا يمكنهما وقف هذا (الهجوم) في 24 ساعة إن أرادا ... (لكن) الجمهورية التركية تسمح بحدوث ذلك."
(إعداد محمد عبد العال للنشرة العربية - تحرير أحمد حسن)