عادت المخاوف لتسيطر على الأسواق خلال هذا الأسبوع نظراً لقيام رئيس الوزراء اليوناني بخطوة مفاجئة صدمت الأسواق و أثارت غضب قادة الاتحاد الأوروبي، بطلبه عقد استفتاء عام على حزمة المساعدات التي أقرها القادة الأوروبيين في 26 تشرين الأول، إلى جانب التفكك السياسي في الحكومة اليونانية أيضاً.
إن قرار الاستفتاء اليوناني قد أعاد المخاوف للأسواق باحتمالية إفلاس اليونان إذا جاءت نتيجة الاستفتاء بالرفض، و لكن شهدنا معارضة شديد في الحزب الداعم لباباندريو، فالعديد من أعضاء الحزب ينادون بضرورة حصول اليونان على المساعدات و عدم عقد الاستفتاء المذكور، بالإضافة إلى مطالبة حزب المعارضة باستقالة باباندريو.
أما عن القادة الأوروبيين، فقد عارضوا هذا القرار بشكل شديد و صرح الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي أن اليونان لن تحصل على أية مساعدات قبل صدور نتيجة التصويت، كما أشار أنه يجب أن يكون التصويت على بقاء اليونان في منطقة اليورو أم لا، و ساندته المستشارة الألمانية بذلك في حال جاءت نتيجة الاستفتاء برفض خطة الإنقاذ الثانية.
و لا بُد للإشارة عن النتائج الوخيمة التي ستصيب اليونان و منطقة اليورو بأكملها نتيجة هذا الاستفتاء، حيث قد يؤدي هذا إلى أن تعلن اليونان الإفلاس خلال أشهر قليلة، و لاسيما تأثير هذا كله على الدول المتعثرة الأخرى مثل ايطاليا و اسبانيا من ارتفاع تكلفة الاقتراض بشكل كبير جداً ليصعب المهمة عليهم، و خاصة ايطاليا التي طالبها كل من ساركوزي و ميركل بتكثيف الإجراءات التقشفية لخفض عجز الميزانية.
يأتي هذا الاستفتاء ليدحض كل الجهود التي قام بها القادة الأوروبيين ضمن السبل للتغلب على أزمة الديون و الحد من انتشارها للدول الأوروبية الأخرى، حيث أن هذه الخطة التي أقرها القادة في السادس و العشرين من شهر تشرين الأول تهدف بشكل أساسي لدعم اليونان و منعها من الإفلاس، إلى جانب انتشال الدول المتعثرة الأخرى من هاوية السقوط في بحور ديونهم وتخفيض كلف الاقتراض عليهم، و لاسيما تعزيز القطاع المصرفي في القارة.
إذاً تكمن مخاوف القادة الأوروبيين من تفاقم أزمة الديون لتصل إلى مرحلة لا يمكن السيطرة عليها بعد ذلك، و تأثيرات الأزمة و تبعاتها على الاقتصاد الأوروبي الذي شهد حالة من الخمول في الآونة الأخيرة نتيجة تفاقم أزمة الديون، و قيام الحكومات بفرض سياسات و إجراءات تقشفية لخفض نسب عجزها.
إن هذه العوامل قد أثرت بشكل كبير وواضح على الاقتصاد الأوروبي و مسيرة نموه، حيث شهدنا تراجع في أداء معظم قطاعاته أشارت إلى ضعف الاقتصاد بشكل عام، و عليه قام البنك المركزي الأوروبي بتخفيض سعر الفائدة 25 نقطة أساس لتصبح عند مستويات 1.25% بعد أن كان قد قام برفعها 50 نقطة أساس على مرحلتين هذا العام.
جاء قرار المركزي الأوروبي هذا في سبيل تعزيز مسيرة النمو و دعمها ليتجاهل البنك مستويات التضخم المرتفعة مشيراً إلى أنها ستلبث بالهبوط بحلول منتصف عام 2012، إلا أنه قد وضع مسيرة النمو ودعمها في مقدمة لائحة اهتماماته، وقد لاقت الأسواق تحسناً لا بأس فيه على إثر هذا القرار على الرغم من إشارة رئيس البنك الجديد ماريو دراغي إلى أن البنك المركزي سيقوم على الأغلب بخفض توقعاته المستقبلية للنمو و أن الاقتصاد الأوروبي في طريقه لدائرة الركود الطفيف.
أشارت البيانات التي صدرت هذا الأسبوع عن القارة الأوروبية سوء الأوضاع الاقتصادية في المنطقة متأثرة بالعوامل التي ذكرناها، حيث بقي مستوى التضخم عند مستوياته المرتفعة 3.0% مخالفاً التوقعات، كما شهدنا ارتفاع معدل البطالة في المنطقة أيضاً إلى 10.2% خلال شهر أيلول من 10.0%.
و بالنسبة لمختلف قطاعات الاقتصاد لمنطقة اليورو، فقد شهدنا بقاء قطاع الصناعة في دائرة الانكماش عند 47.1 يتبعه قطاع الخدمات أيضاً عند 46.4 و الذي يؤكد ضعف اقتصاد منطقة اليورو بشكل كبير و مخيف نوعاً ما، الأمر الذي يحث القادة للتحرك الفوري و حل أزمة الديون التي تُشكل العامل الأكبر الذي يقضي على مسيرة النمو.
أما عن الاقتصاد الملكي، فقد أظهر تحسناً طفيفاً من ناحية النمو بإطلاقه بيانات الناتج المحلي الإجمالي التي أظهرت نمو الاقتصاد خلال الربع الثالث 0.5% مقارنة مع نمو الاقتصاد المتواضع في الربع الثاني عند 0.1%، و لكن هذه البيانات لم تُزل أثر تراجع أقطاب الاقتصاد خلال شهر تشرين الأول، حيث بدأ قطاع الصناعة رحلته في دائرة الانكماش حسب مؤشر مدراء المشتريات الذي أظهر ما قيمته 47.4 مقارنة بالسابق 51.1 في الشهر السابق.
وافقت الحكومة الايطالية على قيام صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي بمراقبة تطبيقها لبرامج إصلاح النظام التقاعدي والعمالة وهيكلة الاقتصاد التي اتفقت عليها مع الاتحاد الأوروبي في الأسبوع الماضي، و هذا ضمن اجتماع مجموعة العشرين في مدينة كان الفرنسية، و أكد رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروزو بأن إيطاليا قد طالبت بذلك، علما بأن الديون الايطالية تمثل الأعلى في منطقة اليورو بنسبة 120% من الناتج المحلي الإجمالي .
و أنهى الأسبوع تقرير الوظائف الأمريكي الذي أظهر تراجع عدد الوظائف المضافة للاقتصاد عدا القطاع الزراعي ليصل إلى 80 ألف مقارنة مع التوقعات 95 ألف، ولكن القراءة السابقة التي كانت عند 103 ألف قد تم تعديلها إلى 158 ألف، مما حسن من صورة قطاع العمالة قليلاً.
و الأهم من ذلك، هو انخفاض معدل البطالة الأمريكي إلى 9.0% على غير المتوقع من السابق 9.1%، و هذا ما كان داعماً للأسواق و ناشراً للتفاؤل في الأسواق في منتهى الأسبوع، و لا بُد للإشارة أن البنك الفيدرالي الأمريكي كان قد أبقى أسعار الفائدة ثابتة عند مستوياتها المتدنية بين 0.0%-0.25% و ذلك في سبيل دعم مستويات النمو في الاقتصاد.