معضلة جديدة تضاف إلى المنطقة الأوروبية وهي تصاعد المخاطر التضخمية في منطقة اليورو بسبب ارتفاع أسعار الطاقة عالميا وهو الأمر الذي بات يمثل أحد التحديات الأخرى بخلاف الأزمة الأساسية وهي معضلة تفاقم الديون السيادية.
معدل التضخم سجل في ديسمبر/كانون الثاني مستوى 2.2% متخطيا بذلك المستوى الآمن للأسعار عند 2% الأمر الذي دفع بالسيد تريشيه رئيس البنك الأوروبي إلى التنويه نحو تصاعد المخاطر التضخمية بسبب ارتفاع أسعار الطاقة في الآونة الأخيرة، ومشيرا إلى أن معدل التضخم قد يظل لأعلى من مستوى 2% خلال الفترة المقبلة و ذلك قبل أن يتراجع بنهاية العام الحالي. لكن على المدى المتوسط و الطويل لاتزال توقعات التضخم ضمن أن يكون لأقل أو عند مستوى 2% الذي يعد المستوى الآمن لإستقرار الأسعار. وهذا ما قد يضطر البنك إلى تحريك سعر الفائدة.
وهنا البنك الأوروبي جاد في تحريك سعر الفائدة على الرغم من ما تواجهه المنطقة من مخاطر أعمق تتمثل في مخاطر متعلقة بالدول المثقلة بأعباء الديون و التي حتى يومنا هذا تحاول تجنب اللجوء إلى طلب المساعدة مثل البرتغال و أيرلندا. و في نفس الوقت لاتزال المنطقة تشهد وتيرة نمو معتدلة بينما يوجد إختلال لمستويات النمو بين أعضاء المنطقة السبعة عشر.
فيما أبقى البنك المركزي الأوروبي على السياسة النقدية ثابتة كما هي ودون تغير إذ أبقى سعر الفائدة دون تغير عند مستوى 1%.
أما عن سوق السندات و الذي شهد هذا الأسبوع نجاح العديد من الدول ذات الديون المرتفعة في بيع سندات و الحصول على تمويل.
ففي أسبانيا تم بيع سندات لأجل خمس سنوات بقيمة 3 مليار يورو بينما ارتفع العائد عليها بأدنى مما كان متوقعا وهو ما يبين بعض التحسن النسبي الطفيف للاضطراب في أسواق الدين، وفي البرتغال فتم بيع سندات لأجل عشر سنوات و أربع سنوات بقيمة 1.249 مليار يورو. وأيضا نجحت إيطاليا في بيع سندات بقيمة 3 مليار يورو لأجل خمس سنوات.وبشكل عام فإن معدل التغطية في كلا المزادات كان مترفعا عن المزاد السابق له.
ويرجع نجاح معظم هذه المزادات إلى اهتمام آسيوي بالإستحواذ على نصيب من هذه السندات و ذلك كمساهمة في حل تلك الأزمة وهو الأمر المعلن، أما الأمر الأكثر فنية و خفاءاً وهو الاقبال على شراء العملة الأوروبية عن طريق هذه المزادات و بالتالي المساهمة في الابقاء على عملاتهم الوطنية منخفضة نظرا لما تتمتع به هذه الدول من فائض مرتفع من العملات الأجنبية.
وأهم هؤلاء الدول يتمثل في الصين و التي أعلنت في الأسبوع قبل السابق عن تعهدها بدعم منطقة اليورو وهذا الأسبوع كانت اليابان التي وضعت خطة لشراء نحو خُمس السندات التي ستقوم المنطقة بإصدارها وهذه الشريحة تقارب المليار يورو.
و آخر الأرقام تشير إلى أن الصين تستحوذ على إحتياطي نقدي من العملات و الذهب ووحدات السحب الخاصة تقدر بقيمة 2.85 تريليون دولار وهو بذلك أكبر إحتياطي على مستوى العالم، وتأتي اليابان في المركز الثاني بإحتياطي قدره 1.096 تريليون دولار أمريكي. وهذا ما يمكنهم من مواصلة تحقيق أهدافهم الخاصة.
أخيرا فإن ألمانيا قد أعلنت عن بيانات محفزة بعض الشيء في خضم ما تواجهه المنطقة من تداعيات لأزمة الديون السيادية، فبفضل اليورو الضعيف و ارتفاع الصادرات حققت ألمانيا نمو بنسبة 3.6% في عام 2010 بعد أن كان إنكماش بنسبة 4.7% في عام 2009. ليس ذلك فقط بل هذه القراءة تعد الأعلى منذ 1992.
بينما يتوقع البنك المركزي الألماني أن تحقق البلاد نمو بنسبة 2% بنهاية العام الحالي و يتراجع إلى 1.5% في عام 2012 و السبب في ذلك يرجع إلى ضعف مستويات الطلب من اقتصادات منطقة اليورو والتي سوف تواصل عمليات خفض الإنفاق العام. جدير بالذكر أن عجز الموازنة لدى ألمانيا يعد مقبولا حيث يمثل 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي وهو أعلى قليلا من المستوى المعياري للإتحاد الأوروبي لنسبة 3% لكن أفضل من دول أخرى في المنطقة مثل اليونان و أيرلندا الذي وصل فيها إلى 32% من الناتج المحلي إذا ما تم إضافة قيمة الدعم المقدم إلى القطاع المصرفي فيها.
بريطانيا
خلال هذا الأسبوع شهدنا ابقاء البنك البريطاني على نفس السياسة المحايدة وذلك بالابقاء على سعر الفائدة دون تغير بنسبة 0.5% و برنامج شراء الأصول عند مستوى 200 بليون جنيه إسترليني وذلك في ضوء تريث البنك حيال إتخاذ أية قرارات في الوقت الذي تتزايد عليه الضغوط بفعل تصاعد المخاطر التضخمية و في نفس الوقت وجود نمو ضعيف.
معدل التضخم لا يزال مرتفعا في الأراضي الملكية حتى الآن، حيث سجل في نوفمبر/تشرين ثاني مستوى 3.3% مستمرا في ارتفاعه عن الحد الأعلى للمستوى الآمن لنسبة 3% وذلك للشهر العاشر على التوالي.
وتقرير التضخم الذي صدر في نوفمبر/تشرين ثان نوه فيه إلى أن التضخم من شأنه أن يبقى أعلى من المستوى الآمن لإستقرار الأسعار لنسبة 2% على مدار العام الحالي 2011، و يرجح ذلك إلى إنخفاض قيمة الجنيه الإسترليني ومن ثم ارتفاع تكلفة السلع المستوردة هذا بجانب إتجاه الحكومة نحو رفع سعر الضريبة على المبيعات لتصل إلى 20% في بداية العام المقبل من 17.5% حاليا. الأمر الذي يدعم ارتفاع الاسعار.
فيما أظهر التقرير أنه على الرغم من تلك التوقعات إلا أنه بإنتهاء تلك العوامل المؤثرة فقد يتراجع التضخم بسبب ارتفاع حجم الطاقة الفائضة و غير مستغلة في نهاية عام 2012 وهو نهاية المدى الذي تدور حوله توقعات البنك و إن كانت هذه التوقعات تتسم بعدم التأكد.
فيما تظهر البيانات ارتفاع المستوى العام للاسعار عند ابواب المصانع في ديسمبر/كانون الأول بنسبة 0.5% من 0.3% للقراءة السابقة و على المستوى السنوي صعد إلى 4.2% من 3.9%. بينما سجل مؤشر أسعار المستهلكين الجوهري الذي يستثني أسعار السلع ذات التقلبات المرتفعة في أسعارها مثل المواد الغذائية و الطاقة مستوى 0.2% ودون تغير عن القراءة السابقة و على المستوى السنوي تراجع قليلا إلى 2.9% من 3.3% للقراءة السابقة.
وتظهر البيانات الفرعية أن السبب الرئيسي وراء تغذية هذا الارتفاع عو صعود أسعار الطاقة في تلك الفترة بنسبة 2.4% يتبعه ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 1.1% وهو أعلى مستوى منذ يونيو/حزيران 2008 .