أسبوع انقضى على الاقتصاد الأمريكي من الظلم أن نصفه بالأسبوع الهادئ، حيث صدر عن الاقتصاد الأمريكي بيانات بغاية الأهمية، إذ بدأنا الأسبوع بتقرير الدخل وودّعنا الأسبوع بتقرير العمالة، وفي بحر الأسبوع برز قطاع الصناعة ببيانات صادرة إلى جانب قطاع المنازل الأمريكي، والتي أشارت مجتمعة إلى ان الاقتصاد الأمريكي يواصل سيره نحو التعافي من أسوأ ركود منذ الحرب العالمية الثانية.
وشهدنا تحسنا معتدلا في مستويات الإنفاق لدى المستهلكين والتي شكلت دعم للنمو الاقتصادي خلال الفترة الماضية، مشيرين إلى أن الاقتصاد الامريكي بدأ بالتوسع مع بداية الربع الثالث من العام 2009 ليكمل توسعه خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، وذلك على الرغم من أن الاقتصاد الأمريكي فقد بعضا من بريق التوسع هذا خلال الأشهر الثلاثة المنصرمة.
ومن ناحية أخرى فقد ثبت أن مستويات التضخم لا تزال تحت السيطرة وذلك وفقا للمؤشر المفضل لدى البنك الفدرالي الذي صدر خلال الأسبوع المنقضي، وهو مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الجوهري والذي ارتفع على الصعيد السنوي بنسبة 1.3% خلال شباط مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت 1.5%، واضعين بالاعتبار أن معدلات البطالة المرتفعة وأوضاع التشديد الائتماني لا تزال العائق الأكبر على الأسعار لتمنع صعودها.
وهنا نشير إلى أن التضخم لا يشكل أية تهديدات خلال الفترة القصيرة القادمة، حيث يتوقع البنك الفدرالي ان مستويات التضخم ستبقى تحت السيطرة خلال المرحلة المقبلة من هذا العام على الأقل، كما ولا يعتقد البنك أن الكميات الهائلة من الأموال التي تم ضخها في الأسواق خلال فترة الركود ستشكل اية متاعب، وذلك وسط تركيز البنك الفدرالي على إيجاد سبل جذرية وسلمية لسحب تلك البرامج والخطط التحفيزية دون أية عراقيل لمرحلة التعافي.
بينما صدر مؤشر S&P/CS المركب 20، ذلك المؤشر الذي يقيس أسعار المنازل في عشرين مقاطعة أمريكية، حيث جاء ذلك المؤشر ليغطي فترة شهر كانون الثاني مشيرا إلى أن أسعار المنازل انخفضت بنسبة 0.7% مقارنة بالانخفاض السابق الذي بلغ 3.1%، وهذا دليل على تحسن ولو كان طفيفا خلال كانون الثاني.
إلا أن قطاع المنازل في الحقيقة شهد تباطؤ أو تباين في أداءه نوعا ما خلال الفترة القادمة، حيث بدأت النشاطات الاقتصادية بالتراجع بعض الشيء خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث على ما يبدو وأن الحكومة الأمريكية وضعت ثقلها لتخفيف الضغوطات على القطاع وذلك عن طريق برنامج الإعفاء الضريبي الذي أعفى به مشترين المنازل للمرة الأولى من الرسوم الضريبية، إلا أن مسألة انتهاء هذا البرنامج أعطت مزيدا من التوقعات أن قطاع المنازل سيشهد مزيدا من التباين في نشاطاته الاقتصادية خلال الفترة القادمة، ولكن يجب أن لا ننسى بأن القطاع لا يزال يسير على خطى التعافي من أسوأ مرحلة ركود منذ الكساد العظيم.
وفي ذات الوقت فقد صدر عن المجلس التشاوري مؤشر ثقة المستهلكين عن شهر آذار والذي شهد ارتفاعا بمقدار 52.5 مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت 46.4 وبأعلى أيضا من التوقعات، وذلك وسط التطلعات التي بدأت تتأثر بتطور الأوضاع الاقتصادية التي عززت مستويات الثقة في نفوس المستهلكين.
وصولاً إلى القطاع الأبرز في الاقتصاد الأمريكي، قطاع الصناعة الأمريكي، والذي أشار إلى توسع مستمر للقطاع، إلا أن مؤشرات عديدة تعتقد بأن قطاع الصناعة لا يزال ضمن مرحلة استقرار، حيث صدر بداية مؤشر شيكاغو لمدراء المشتريات الذي أظهر تقلصا في الأداء خلال آذار، ولكن بالمقابل اظهر مؤشر معهد التزويد الصناعي بأن النشاطات الاقتصادية مستمرة بالتوسع خلال آذار.
مشيرين إلى أن النشاطات الاقتصادية في قطاع الصناعة الأمريكي بدأت بالتوسع للمرة الأولى منذ الأزمة في آب للعام 2009، ومنذ ذلك الحين والقطاع الصناعي بدأ بتخليف المرحلة الأسوا من الأزمة وراءه، ليكمل توسعه بوتيرة جيدة وسط التحسن في مستويات الطلب عالميا، خاصة المناطق الأسيوية أو الأوروبية منها، إلا ان التوقعات تشير إلى ان نمو الطلب في آسيا سيدعم الاقتصاديات الرئيسية حول العالم في مسألة الارتداد من أسوأ ركود عالمي منذ الحرب العالمية الثانية.
إضافة إلى ذلك، فقد كان المستثمرين على مستوى العالم يعيشيون حالة من الترقب والتأهب لتقرير العمالة الصادر عن وزارة العمل الأمريكية، حيث بداية جاء تقرير ADP للتغير في وظائف القطاع الخاص عن شهر آذار، إذ أن التوقعات كانت تشير إلى ان القطاع الخاص سيتمكن من إضافة موظفين جدد، إلا ان الصعقة جاءت في أن القطاع الخاص فقد خلال آذار 23 ألف وظيفة، وهذا ما جعل الأنظار تتجه سريعا على تقرير العمالة الأمريكي.
مشيرين إلى أن تقرير العمالة الأمريكي جاء مخالفا لتقرير ADP للتغير في وظائف القطاع الخاص، حيث تمكن الاقتصاد من إضافة 162 ألف وظيفة خلال آذار مقارنة بالقراءة السابقة التي تم تعديلها إلى 16 ألف وظيفة مفقودة، واضعين بالاعتبار أن معدل البطالة لم ينزاح عن المستويات الأعلى له منذ 26 عام ليبقى عند 9.7%.
حيث أشار تقرير العمالة الأمريكي بأن نزيف قطاع العمالة قد بدأ بالتوقف، مشيرين إلى أن قطاع العمالة قد يكون المحرك الأساسي لاقتصاد الأمريكي في مرحلة تعافيه وتحقيق النمو، إلا أن معدلات البطالة لا تزال ضمن أعلى مستوى لها منذ العام 1983 والتي قد تشكل عائقا أمام مرحلة تعافي الاقتصاد، إلا أن تقرير شهر آذار قد يعزز النشاطات الاقتصادية في القطاع، وليحقق النمو خلال الأشهر القادمة، وهذا ما قد يقلص حدة الضغوطات التي تقع على عاتق الاقتصاد وسط التحديات التي تقف أمام تعافي الاقتصاد الأكبر في العالم.