منذ أقلَّ من عام واحد بقليل، شهد سعر عملة بيتكوين (Bitcoin-BTC) تقلباتٍ عنيفةً بسبب مسارعة المستثمرين ممّن انتابتهم حالةٌ من الذعر إلى بيع ممتلكاتهم من عملة BTC في أعقاب انهيار منصة تداول العملات الرقمية FTX، وسبَّبَ ذلك تراجع قيمتها بتاريخ 21 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2022 لأدنى مستوياته المسجلة منذ أواخر عام 2020، إذ انخفضت قيمة بيتكوين لأقلَّ من 15,500$ ما مثّل تراجعاً بلغ معدله 77% مقارنةً بأعلى مستوياتها السعرية المسجلة على الإطلاق عند 69,000$ خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر لعام 2021.
وبالرغم من تسبّب انهيار منصة FTX بالتراجع الأخير لسعر بيتكوين عام 2022، إلا أن دورة رفع أسعار الفائدة بشكلٍ متكرّر من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أحدثت موجة هلعٍ في الأسواق بصفةٍ عامة، ويمكننا القول أنها كانت المحفّز الرئيسي للسوق الهابطة لعام 2022.
وفي أحداثٍ تعاكس إثر هذا الانخفاض، تغيّرت أحوال بيتكوين بشكلٍ مذهلٍ أواخر عام 2022؛ وبالنظر إلى مستوياتها السعرية الحالية دون علامة 35,000$ بقليل، فقد ارتفعت قيمة عملة BTC بنسبة 120% قياساً إلى أدنى قيعانها السعرية المسجّلة عام 2022، إلا أنها ما تزال مقارنةً بأعلى مستوياتها المسجلة على الإطلاق عام 2021 تأخذ نسبة 50% تقريباً.
ويمكننا القول إن تعافي سعر عملة بيتكوين على مدار عام 2023 كان لافتاً للنظر لأن ظروف الاقتصاد الكليّ لم تتحسّن بشكلٍ كبيرٍ خلاله؛ فمع الأداء القويّ والمتنامي للاقتصاد الأمريكي، واصل الاحتياطي الفيدرالي رفع معدلات الفائدة خلال عام 2023 -وإن كان بمعدل أبطأ وأكثرَ حذراً- كما بلغت عوائد سندات الخزينة الأمريكية طويلة الأجل أعلى مستوياتها المسجلة على مدار عدة عقود.
كذلك فإن سياسات التضييق النقدية المفاجئة في عام 2022 كانت السبب الرئيسي للسوق الهابطة التي شهدتها رائدة قطاع الكريبتو عام 2022، غير أن العملة تمكّنت من التعافي بشكلٍ قويٍّ عام 2023 رغم عدم تحسّن الظروف المالية على الإطلاق.
ثلاثة أسباب لتعافي عملة بيتكوين بشكلٍ قويّ خلال عام 2023
من المرجّح أن تكون استعادة سعر بيتكوين لمتوسط مؤشرات الحركة طويلة الأجل الخاصّة به -أو ما يُسمّى “متوسط الارتداد”- من أسباب تعافي قيمة العملة بشكلٍ كبير هذا العام، إذ تُظهر عدة مقاييس أن البيع المفرط لعملة BTC بلغ مستوياتٍ قياسيةً في أعقاب انهيار منصة FTX؛ فعلى سبيل المثال، تشير بيانات منصة تحليل المعاملات على البلوكتشين غلاسنود Glassnode إلى تراجع معدل MVRV (MVRV Ratio) الخاص بعملة BTC ليبلغ أقلَّ من 0.8 في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، في حدثٍ نادرٍ على مدار تاريخها، والذي طالما أشار إلى توفر فرصةٍ شرائيةٍ رائعةٍ حينها.
جديرٌ بالذكر أنه يتم حساب معدل MVRV بقسمة سعر بيتكوين الحالي على قيمتها المحقّقة -أي متوسط السعر الذي شهدت عنده عملات بيتكوين آخر تحرّكٍ لها- وهو ما يشير لمتوسط السعر الذي قام المستثمرون بدفعِهِ لشراء إحداها.
ويُعزى الارتفاع الكبير لسعر بيتكوين خلال شهر كانون الثاني/يناير الماضي -والذي بلغ 40%- إلى قيام المضاربين على ارتفاع الأسعار (الثيران) وفق المدى الطويل ممّن يثقون بإمكانات بيتكوين بشراء أكبر قدرٍ ممكنٍ منها للاستفادة من تدنّي سِعرها، وتتعزّز قوة هذه الفرضية بالنظر إلى مخطط قوس قزح البيانيّ لسعر عملة بيتكوين (Bitcoin Rainbow Chart) الخاص بموقع blockchaincenter.net والذي يُظهر أن سعرها كان مستقراً في منطقةٍ يمكن وصفها بأنها “عروض تصفياتٍ بيعيّةٍ هائلةٍ بالأساس” أواخرَ عام 2022.
وبالرغم من إسهام “متوسط الارتداد” بمواصلة سعر العملة لمساره الصاعد، فلا يمكننا إغفال دور عاملين آخرين مهمّين؛ أولهما ارتفاع سعر عملة BTC بشكلٍ مفاجئٍ خلال آذار/مارس الماضي، عندما بدأت المخاوف المتعلقة بأزمة البنوك الأمريكية تؤثر سلباً على مختلف الأسواق، حيث أسهَمَ هذا الأداء الرائع -والذي تزامن مع ارتفاع أسعار الذهب والسندات في ذلك الوقت- بتعزيز فكرةٍ مفادُها أن عملة BTC توفر ملاذاً آمناً للتحوّط ضد إخفاقات النظام المالي التقليدي، وأنها لا تُعتبَر إحدى الأصول المالية شديدة المخاطرة، وهو ما أكّده المتعصّبون لعملة بيتكوين مراراً وتكراراً.
علاوةً على ذلك، أثبتت بيتكوين خلال الأسابيع الأخيرة جدارتها كملاذ آمن، إذ واصلَ سعرها ارتفاعه بالرغم من تراجع أداء أسواق الأسهم والسندات الأمريكية بسبب مخاوفَ متعلقةٍ بعاملين مهمّين، ألا وهما: 1- ترجيح مواصلة رفع معدلات الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي على خلفية الأداء القويّ للاقتصاد الأمريكي. 2- المخاوف الجيوسياسية المتعلقة بالحرب بين إسرائيل وحماس.
تجدر الإشارة إلى مواصلة عملة بيتكوين تعزيز هيمنتها على قطاع الكريبتو بسبب المخاوف المتعلقة بتشديد الإجراءات التنظيمية الأمريكية -والتي تدفع المستثمرين لشراء أكثر الأصول الرقمية أماناً- ما أسهم بارتفاع نسبة هيمنة عملة BTC على القطاع إلى 53%، وهي أعلى مستوياتها المسجّلة منذ نيسان/أبريل لعام 2021.
وثانيهما إسهام موجة التفاؤل بالتبني المؤسساتي لعملة بيتكوين بتعزيز قيمتها مجدّداً منذ قيام شركة بلاك روك (BlackRock) وغيرها من شركات وول ستريت لإدارة الأصول المالية بتقديم طلباتٍ لإنشاء صناديقَ متداولةٍ في البورصة لتداولات بيتكوين الفورية (Bitcoin Spot ETFs) في حزيران/يونيو الماضي.
ومن المؤكّد أن التفاؤل المتنامي باطّراد بشأن الموافقة على إنشاء هذه الصناديق أواخر العام الحالي أو مطلع العام المقبل قد أسهَمَ في الارتفاع الأخير لسعر عملة BTC بشكلٍ كبير
ما هي القمم السعرية التي قد تبلغها بيتكوين خلال سوقها الصاعدة الحالية؟
شهدت دورات السوق الصاعدة السابقة -وبشكلٍ منتظمٍ- ارتفاع معدل MVRV إلى مستوياتٍ عليا تجاوزت 3.2، وبالرغم من أن نسبة 3.2 تشير حالياً إلى 65,800$ تقريباً، فعادةً ما ترتفع القيمة المحققة لعملة BTC خلال فترات السوق الصاعدة. وعلى سبيل المثال، ارتفع السعر المحقق للعملة بين عامي 2020 و2021 من 5,000$ لأعلى مستوياته المسجّلة حينها عند 25,000$.
وإذا فرضنا أن السعر المحقق -والذي بلغ أكثر من 20,000 بقليلٍ في آخر مرّة- قد ارتفعَ خمسَة أضعافٍ مجدّداً، فإنه سيبلغ 100,000$ خلال السوق الصاعدة المرتقَبة؛ وإذا ارتفع معدل MVRV الخاص بعملة بيتكوين إلى 3.2 وبسعرٍ محقق قدره 100,000$، فقد يتجاوز سعر عملة BTC مستوى 320,000$ – أي ما يعادل 10 أضعاف مستوياتهِ الحالية تقريباً.
ولو قلنا أن قيمة عملة بيتكوين ستبلغ هذه المستويات خلال عام 2025 أو 2026، فقد يتوافق هذا مع عودة السعر إلى “فرص البيع الثمينة” أو حتى “منطقة الفقاعة عند مستوياتٍ سعريةٍ مبالغ فيها”، بحسب مخطط قوس قزح الخاص بموقع blockchaincenter.net.
ويبقى أن يرتفع سعر بيتكوين لأكثر من 300,000$، فحينها ستبلغ قيمتها السوقية الإجمالية حوالي 6 تريليون دولار، وقد يبدو هذا المبلغ هائلاً بالنظر لقيمتها السوقية الإجمالية الحالية والتي تبلغ 676 مليار دولار، إلا أن فكرة أن عملة بيتكوين قد تضاهي الذهب كأصلٍ احتياطيٍّ عالميٍّ تلقى رَوَاجاً متزايداً، لا سيّما بعد انضمام شخصياتٍ بارزة في وول ستريت -مثل لاري فينك (Larry Fink) الرئيس التنفيذي لشركة بلاك روك- لجموع داعمي عملة BTC مؤخراً.
تجدر الإشارة إلى أن القيمة السوقية الإجمالية للذهب بلغت أكثرَ من 13 تريليون دولار مؤخراً -وذلك بحسب موقع CompaniesMarketCap– إلا أن الميزات العديدة التي تمتلكها عملة BTC دوناً عن الذهب -مثل إمكانية تحويلٍ قيم ماليةٍ عاليةٍ منها بشكلٍ شبه فوريٍّ وشبهِ مجانيّ، فضلاً عن سهولة ممارسة الحفظ الذاتيّ لأصولٍ ماليةٍ ضخمةٍ- تجعل إمكانية بلوغ قيمتها السوقية الإجمالية تريليونات الدولارات أمراً وارداً.