من أولف ليسنج
بنغازي (ليبيا) (رويترز) - لا يبدي مفتاح أطلوبة وهو يجلس في مقهاه قرب البقعة التي انطلقت منها احتجاجات كانت بمثابة شرارة أشعلت الثورة الليبية أي أسف لرحيل الدكتاتور الليبي معمر القذافي.
ومع ذلك فإن أطلوبة (45 عاما)، الذي أرهقته مثل كثيرين في بنغازي اشتباكات في الشوارع على مدار ثلاث سنوات سوت أحياء كاملة بالأرض، يعتقد أن الوقت قد حان للعودة للأسلوب القديم في إدارة الأمور.
راح أطلوبة يرتشف القهوة في واحد من المباني القليلة التي لا تزال قائمة في وسط المدينة الذي شهد من 2014 إلى 2017 حربا دارت رحاها بين قوات خليفة حفتر، أحد قادة الجيش والذي انقلب على القذافي، وبين خصومه الإسلاميين. وقال إنه كان من الضروري رحيل القذافي لكن الديمقراطية لم تنجح في ليبيا.
أصيب مقهى أطلوبة بأضرار. غير أن المبنى نجا من الانهيار على النقيض من مبنى المحكمة المجاور الذي تجمعت عنده أسر المسجونين السياسيين للمطالبة بالإفراج عنهم في فبراير شباط 2011 في حدث أطلق شرارة الانتفاضة التي أطاحت بالقذافي.
وأشار أطلوبة إلى ما شهدته المدينة من فوضى وإرهاب مضيفا "لازم حكم عسكري".
وتريد الأمم المتحدة عقد مؤتمر وطني للإعداد لإجراء انتخابات وتوحيد البلاد التي تملك أكبر احتياطيات مؤكدة من النفط في أفريقيا لكنها تنتج أقل من مليون برميل يوميا.
وفي الوقت الحالي تنقسم السيطرة السياسية في ليبيا بين عشائر متنافسة وجماعات مسلحة بل وبين حكومتين. فللشرق حكومته التي تعارض السلطة المدعومة من الأمم المتحدة التي تحكم في طرابلس.
غير أن ندوب حرب بنغازي تظهر الصعوبات التي تواجه مصالحة المعسكرين المتنافسين المتمثلين في قوات سابقة ورجال العشائر في شرق ليبيا والإسلاميين والنخب المدنية في غربها.
وتزين صور حفتر وهو متجهم الوجه يرتدي الزي العسكري شوارع بنغازي منذ طردت قوات شرق ليبيا خصومها منها.
ولا يرى كثيرون من أنصار حفتر طائلا من وراء المصالحة مع الخصوم ويصفونهم بأنهم "إرهابيون" ومن "الإخوان المسلمين".
ولا يترك ذلك مجالا يذكر للمعتدلين الذين يعتقدون أن ليبيا يمكن أن تصبح دولة مدنية دون أن يكون للجيش فيها دور مهيمن.
وقال الناشط جمال الفلاح مشيرا إلى قوات حفتر والمعارك التي خاضتها إن أغلب الناس في بنغازي لا يسمحون لأحد بانتقاد قوات شرق ليبيا لأن هذه القوات دفعت الثمن.
ويحاول الفلاح تنظيم منتدي لليبيين من مناطق مختلفة لبحث حل سياسي لا تشارك فيه الأمم المتحدة. وهو يريد إشراك مواطنين من الشرق يرون أن الأمم المتحدة منحازة للإسلاميين.
غير أن كثيرين من أنصار قوات شرق ليبيا يتشككون في الحوار. وقد شجعهم هجوم عسكري في الجنوب تحدى فيه حفتر الحكومة القائمة في طرابلس بالسيطرة على المدينة الرئيسية في المنطقة وعلى أكبر حقول النفط فيها.
ويقول البعض إنه يجب على حفتر (75 عاما) أن يأمر قواته بالتوجه إلى طرابلس دون انتظار للانتخابات.
وقالت فوزية الفرجاني وهي من قيادات الأعمال ومن قبيلة حفتر إن قوات شرق ليبيا حققت الأمن في الشرق وأبدت تعجبها من الحديث عن الانتخابات في الغرب في ظل سيطرة فصائل مسلحة.
غير أن من المستبعد في الوقت الحالي فيما يبدو زحف قوات حفتر غربا لأن قواته تنتشر في الجنوب. وستواجه هذه القوات مقاومة في طرابلس ومدن أخرى في غرب ليبيا يرتاب فيها كثيرون في حفتر ويرون فيه صورة من القذافي.
وسئل أحمد المسماري المتحدث باسم قوات شرق ليبيا عن احتمال شن هجوم على طرابلس فقال إن قواته مكلفة بحماية ليبيا كلها.
وأضاف أن القوات تؤيد فكرة الانتخابات لكنها لا ترى فرصة للمصالحة مع المقاتلين السابقين المعادين لقوات شرق ليبيا.
* انقسام
كانت بنغازي هي أول مدينة ليبية تنتفض في فبراير شباط 2011 لأن القذافي عاقب الشرق على عدم ولائه له بإهماله خلال فترة حكمه التي استمرت 42 عاما.
وفي حين شهدت طرابلس استقرارا نسبيا على مدار عامين بعد مقتل القذافي تدهورت الأمور خلال شهور في بنغازي عندما بدأت الاشتباكات بين معسكرين متنافسين.
وبحلول 2012 تدهور الوضع الأمني في جانب كبير من المدينة وارتفعت فيها رايات تنظيم القاعدة عند بعض الحواجز الأمنية. ولقي السفير الأمريكي مصرعه على أيدي متشددين إسلاميين.
وقام حفتر بتجميع زملائه القدامي في الجيش وأعلن الحرب على الإسلاميين. ولم يحقق النصر في هذه الحرب سوى في نوفمبر تشرين الثاني 2017.
ومنذ ذلك الحين تحسنت ظروف الحياة في بنغازي. ويقول منتقدون إن حفتر أحيا دولة الشرطة القديمة واستولى أنصاره على ممتلكات خصومهم الذين فروا إلى غرب ليبيا. وينفي مسؤولون هذه الاتهامات.
لكن السكان أصبحوا يتمتعون بالتسوق حتى ساعة متأخرة من الليل وعادت المسارح لفتح أبوابها وطوى الماضي مشكلة نقص الوقود.
غير أن بنغازي منقسمة حول مدى السلطات التي يجب أن يمتلكها حفتر.
فأنصاره يطلقون عليه لقب "المشير" وهي رتبة خلعها عليه برلمان الشرق. كما يرون أنه مرشح لخوض انتخابات الرئاسة في نهاية الأمر.
وقال أطلوبة صاحب المقهى في معرض الحديث عن رئاسة الدولة "لازم خليفة حفتر يكون رئيس. نرى فيه انسان وطني حب ليبيا بالكامل لم يرض بالتقسيم، قارع الإرهاب وشغل مؤسسات الدولة بالكامل".
لكن بعض الناشطين الذين رحبوا بانتصار حفتر العسكري يريدون الآن زعيما مدنيا. وهم يحرصون على إبداء تأييدهم لقوات شرق ليبيا لا لحفتر نفسه.
وقال محام اسمه عصام "أنا غير مستعد للتنازل عن الدولة المدنية. نحتاج جيشا مثل كل دولة للحماية ولكن بدون دور سياسي".
* أداء مسرحي
من ناحية أخري يريد سكان اختبار المدى الذي يمكن أن يصلوا إليه.
في أحد المسارح تناول الممثلون قضية الفساد وتدهور خدمات الدولة بأداء أدوار ليبيين يحتاجون للذهاب إلى تونس للعلاج لكن لا يمكنهم الحصول على تذاكر السفر لأن المسؤولين قدموا رشوة للعاملين في المطار لركوب طائرات تم حجز تذاكر لها أكثر من مقاعدها.
ويتجنب الممثلون المساس بالعسكريين لكنهم ينتقدون المحافظين الذين يساندون قوات شرق ليبيا.
وعندما يتعرض مواطن ليبي استطاع أخيرا الوصول إلى تونس للتوبيخ من مواطن آخر لتناوله البيرة يردد "أنت لا تحتاج موافقة أمنية بتونس لتشرب" لتضج القاعة بصيحات استحسان الجمهور.
ويستفيد حفتر من انقسامات تاريخية بين الشرق والغرب اللذين كانا إقليمين منفصلين قبل استقلال ليبيا عام 1951. وقد ازدادت هذه الانقسامات حدة في السنوات الأخيرة.
وتعتمد قواته على تحالفات قبلية في شرق ليبيا. وقد سعت لاستطلاع التوجهات في الغرب حيث أعرب البعض عن تأييده لحفتر غير أن قاعدة قواته تقع في الشرق.
كما اجتذبت قوات شرق ليبيا أنصارا من حركة اتحادية تشن حملة منذ 2011 لمنح الشرق الذي يوجد فيه قدر كبير من النفط الليبي مزيدا من السلطات.
وقد خلق الدمار الذي خلفته الحرب شعورا بالتجاهل في بنغازي حيث لا يتوفر المال لإعادة البناء. ويقول مسؤولون إن عشرة آلاف شقة على الأقل ومواقع أخرى مثل الميناء وحرم الجامعة أصيبت بأضرار أو لحق بها الدمار.
ويملك البنك المركزي ومقره طرابلس احتياطيات أجنبية تقدر بنحو 75 مليار دولار لكنه لا يوجه أموالا كافية لحكومة الشرق ويعمل مع الحكومة المعترف بها دوليا في طرابلس.
وقد نفد صبر كثيرين من سكان بنغازي على الساسة وأصبحوا يتطلعون للعسكريين لتحقيق إنجازات.
وقال أنيس التاجوري الذي أعاد فتح متجره لبيع فساتين الزفاف في سوق بنغازي القديم الذي كان ساحة قتال فيما مضى إنه أعاد تجهيز المحل الذي لحقت به أضرار كبيرة دون مساعدة من الحكومة.
وأضاف "أتمنى أن يلم الشمل ليبيا. نحن نريد رئيس دولة ديمقراطية من عام 2011. لم تنجح معنا لأن نحن مجتمع قبلي. يوجد جهوية. يوجد أقاليم بعيدة عن بعضها. نريد رئيس دولة يوحدنا".
(إعداد منير البويطي للنشرة العربية - تحرير نادية الجويلي)