استمرت الأسواق الأوروبية الأسبوع الماضي بالعيش على أصداء موجة التحرر من المخاوف التي سيطرت على الأسواق المالية خلال الفترة السابقة و ذلك بعد أن أتمت اليونان صفقة مبادلة السندات و التي خلصت الدولة من ما يزيد عن 100 مليار يورو، في حين اتجهت أعين المستثمرين بعد ذلك على حقائق كانت قد تغيبت عنها الأسواق في ظل أزمة الديون السيادية، و هي النمو الاقتصادي و كيفية ايجاد حلول لدعمه و تجنب حالة الانكماس المتوقعة، و ركّز المستثمرين أيضاً على مصير تلك الدول المتعثرة في ظل هذه الظروف الاقتصادية.
وسط كل الأحداث التي شهدناها الأسبوع الماضي و التي لم تكن ذا أثر ايجابي عميق على الأسهم الأوروبية أو العملات الأوروبية إلا أن تصريحات مسؤولين منطقة اليورو في نهاية الأسبوع قد دعمت الأسواق المالية بشكل قوي و نشرت موجة من التفاؤل في الأسواق، حيث أشار المسؤولين بأنهم قد سيبحثون احتمالية رفع سقف صندوق الاستقرار المالي الأوروبي المؤقت و الدائم إلى 700 مليار يورو من 500 مليار يورو و ذلك في آواخر الشهر الجاري.
شهدت الأسواق الأوروبية عزيزي القارئ أسبوعاً مزدحماً بالبيانات و العوامل الاقتصادية بشكل عام، في حين كان تركيز الأسواق بشكل أكبر كما أشرنا على ما بعد ذلك، فقد اتجهت الأنظار و لا تزال تترقب ماهية الاجراءات التي ستتم فيها خطة الانقاذ الثانية لليونان بعد أن أزالت نجاح صفقة مبادلة السندات العبئ عن صدور المستثمرين لينظرو بتفاؤل على الاجراءات القادمة.
شهدنا إعلان صندوق النقد الدولي عن تبنيه ما قيمته 28 مليار يورو من قرض الانقاذ الثاني لليونان ليمنحه للدولة المتعثرة على مدار أربع سنوات بدلاً من ثلاثة أعوام، أما عن صندوق الاستقرار المالي الأوروبي فقد أشار الرئيس التنفيذي للصندوق بأنه سيحمل ما قيمته 109.1 مليار يورو من قرض الانقا الثاني لليونان يتم منح ما قيمته 48 مليار على شكل سندات للصندوق و المبلغ المتبقي يتم منحه للدولة يدوياً.
و تتابعت كل هذه الأحداث بعد مصادقة وزراء المالية الأوروبيين في اجتماعهم الذي عُقد في بداية الأسبوع على خطة الإنقاذ الثانية بقيمة 130 مليار يورو لليونان، و أكد الوزراء بأن الدفعة الأولى من خطة الإنقاذ هذه سيتم دفعها هذا الشهر ، و أشاح الوزراء بانظارهم عن اليونان في هذا الاجتماع ليسلطوا الأضواء على أسبانيا التي أعلنت بوقت سابق هذا الشهر احتمالية تجاوز العجز في الميزانية العامة المستويات المقبولة.
حيث كان رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي قد أعلن في بداية الشهر الماضي عن احتمالية وصول العجز العام في موازنة بلاده إلى 5.8% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام 2012، أي أعلى بكثير من نسبة 4.4 % الموعودة سابقا، و بهذا تكون اسبانيا قد خالفت لوائح ميزانية الاتحاد الاوروبي التي أقرت في الآونة الاخيرة ضمن معاهدة الانضباط المالي و التي تمنع البلدان الاوروبية الـ 27 ما عدا بريطانيا و التشييك من تجاوز المستويات المقبولة من العجز في الميزانية العامة.
من هنا طالب وزراء مالية منطقة اليورو اسبانيا بتخفيض العجز في الميزانية العامة بنسبة 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الجاري لتصل المستويات المستهدفة إلى 5.3% من الناتج المحلي الاجمالي، و بدورها قامت أسبانيا قد إلتزمت بإعادة العجز في الميزانية العامة لمستويات 3.0% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام القادم.
و من جهتها، أشارت الدولة بأنها ستخضع للاجراءات الاصلاحية اللازمة لخفض نسبة العجز في الميزانية الأسبانية خلال العام الجاري 2012 و أنها ستحقق ما طالب به وزراء مالية منطقة اليورو بخفض العجز إلى 5.3% بدلاً من 5.8%، و لكنه لا شك بأنه أمر صعب جداً على الدولة وسط انكماش الاقتصاد الاسباني و ارتفاع معدل البطالة فيه لأعلى مستوى في القارة عند 23%، و لكن، حسب قوانين الانضباط المالي الجديدة التي وقّعت عليها اسبانيا، قد تواجه الدولة عقوبة غرامية تصل قيمتها إلى 0.2% من الناتج المحلي الاجمالي للدولة في حال فشلها بتحقيق نسبة العجز المستهدفة.
و بشكل عام، لم تكن لصفقة مبادلة السندات اليونانية فقط آثار ايجابية على الأسواق فقد كان لها بعض الآثار السلبية سواء على القطاع الخاص الذي خسر ما يقارب 705 من قيمة السندات التي يحملها لليونان، فمن جهة هيئة المبادلات و المشتقات الدولية، اعتبرت الوضع الحالي الذي تعيش فيه الأسواق بعد صفقة مبادلة السندات يُشكل حدث ائتماني و الذي استدعى شركات التأمين دفع ما تم التأمين عليه من السندات اليونانية.
و لا ننسى هنا عزيزي القارئ الدور الكبير الذي لعبته الولايات المتحدة في دعم الأسواق المالية سواء الأوروبية الأمريكية و حتى الآسيوية، نظراً للاشارات الايجابية التي صدرت عن الاقتصاد الأكبر عالمياً وسط غياب القارات الاخرى و الاقتصاديات الأخرى عن الساحة، الأمر الذي كان له الأثر الأكبر على الأسهم العالمية و على الدولار الأمريكي الذي شهد موجة ارتفاع كبيرة.
و بشكل عام، تبقى الأنظار ملقاة حالياً على مسيرة النمو في أوروبا و خصوصاً منطقة اليورو و عن الاجراءات الجديدة التي قد سيتخذها القادة الأوروبيين لدعم مسيرة النمو و تجنب دخول اقتصاد منطقة اليورو لدائرة الانكماش الاقتصادي، كما ستتسلط الأضواء على مواعيد و ماهية دفع قرض الانقاذ الثاني لليونان، و لكن يكون التركيز الأكبر على مصير الدول المتعثرة الاخرى و عن سبل انقاذهم.