في تقييم المخاطر المعقدة التي يفرضها تفشي فيروس كورونا على الصين والاقتصاد العالمي والأسواق، كان التركيز الرئيسي – كما يجب أن يكون – على فعالية احتواء انتشاره ومعالجة المصابين ومنع ارتداده، ولكن هناك بعد آخر طويل الأجل لم يجذب الكثير من الاهتمام حتى الآن وهو المخاطر التي يفرضها على عملية التنمية الاقتصادية التاريخية والمبهرة التي تمر بها الصين.
وعند مقارنة تفشي الفيروس بالحالات الوبائية السابقة المشابهة مثل أزمة السارس منذ 17 عاماً، نجد أن الحكومة الصينية تحركت سريعا وبقوة للحد من انتشار العدوى ومكافحتها، وخضعت المناطق المصابة للعزل بهدف منع انتشار الفيروس وأُطلقت مبادرة معلومات عامة ضخمة، وكان هناك تبادل معلومات استثنائي – على الأقل بالمعايير الصينية – مع الدول الأخرى.
ورغم كل ذلك، تستمر المخاوف، ولا تنحصر المخاوف في الصين فحسب، فقد تم الإعلان عن حالات في أكثر من 10 دول حتى الآن، وجميعهم يتخذون تدابير متفاوتة لمكافحة الفيروس، وكانت أبرزهم هونج كونج التي أعلنت حكومتها عن “حالة طوارئ فيروسية” وأوقفت الرحلات رسميا إلى الصين ومددت إغلاق المدارس.
وما يحدث خلال الأيام والأسابيع المقبلة سوف يكون شديد الأهمية للصين وللعالم، ومن الصعب توقع النتائج، ولكن على المدى القصير تعتمد النتائج على احتمالية منخفضة نسبيا بأن ينتشر مرض شديد العدوى وقاتل بشكل كارثي حول العالم، وبعد ذلك، ستكون المخاطر على المدى البعيد صعبة بنفس القدر على صناع السياسة والأسواق لكي يستعدوا بأسلحتهم الخاصة لمواجهة الوضع.
ويعد فيروس كورونا صدمة أخرى غير متوقعة للنمو الصيني، وعلى عكس التصاعد في التوترات التجارية مع الولايات المتحدة في 2018-2019، فإن هذا التحدي لا يمكن مواجهته بسهولة من خلال تطبيق الأدوات السياسية الاقتصادية المتاحة.
ونظرا لرغبة الدولة في تجنب تباطؤ اقتصادي كبير في النمو الاقتصادي، استحدثت تدابير تحفيز قصيرة الأجل سيئة التصميم أدت إلى فوائد محدودة ومخاطر كبيرة من الأضرار الجانبية والتداعيات غير المقصودة، وعلاوة على ذلك، فإن العديد من هذه المخاطر لا تتماشى مع اتجاه الإصلاحات طويل الأجل الذي يتعين على الصين تطبيقه.
كما يضيف فيروس كورونا بعدًا آخر أكثر صعوبة للتجارة، فبعد إغلاق المدن، ومناطق التجمع والمراكز الترفيهية، سوف يحد ذلك من تحركات البضائع والخدمات والأشخاص داخل الصين، كما أنه يقوض النشاطات الاقتصادية المحلية الحيوية لصحة الاقتصادات بطرقتين.
على المدى القصير، سوف يتسبب التباطؤ في النشاط الاقتصادي المحلي في القضاء على عامل هام يقاوم التأثير السلبي لعدم اليقين والتباطؤ المستمر في المجال التجاري رغم توقيع اتفاق “المرحلة الأولى” مع الولايات المتحدة، وهو ما يفاقم بالفعل التساؤلات التي تواجهها الحكومة حول المحفزات المالية التي لا تخدم عملية التنمية مقابل الإصلاحات، ويزيد مخاطر ظهور جيوب من عدم الاستقرار المرتبطة بالفترات السابقة للمديونية العالية والاستدانة المفرطة.
وعلى المدى المتوسط، فإن الضرر الذي سيلحق بالقطاعات المحلية يبطئ عملية إعادة التوجيه الضرورية للاقتصاد – أي من اقتصاد يركز على الطلب الخارجي والشركات الحكومية إلى اقتصاد يغذي نفسه من خلال الطلب المحلي الخاص.
وتتفاقم هذه الخطورة بحدة بسبب حقيقة أن عملية التنمية التاريخية في الصين تمر بأكثر الفترات الانتقالية صعوبة على الإطلاق والتي تتضمن “فخ الدخل المتوسط”، والتي يظل فيها الاقتصاد عالقاً ولا يتقدم إلى مصاف الدول عالية الدخل، وهي ظاهرة أضعفت الكثير من الاقتصادات النامية قبل الصين.
ومن السابق لآوانه أن نقول ماذا سيحدث بعد ذلك سواء على المدى القصير أو الأطول أجلا، ولكن ما هو واضح في هذه المرحلة هو أن تراكم المعوقات أمام عملية التنمية المستمرة منذ عدة عقود في الصين، يجعل الدولة أكثر عرضة لتقلبات التحول من دولة “متوسطة الدخل” إلى دولة عالية الدخل.
بقلم: محمد العريان، المستشار الاقتصادي لمجموعة “أليانز”، ورئيس كلية “كوينز” بجامعة كامبريدج.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: بلومبرج