لا يتوقف سعر النفط عن التراجع , أكثر من 20% تراجع منذ بداية الشهر الفائت تشرين الأول / أكتوبر حيث وصل سعر خام غرب تكساس اليوم في آسيا الى 55.20$ للبرميل الواحد , أدنى مستوياته في عام كامل ويمحي بذلك كل المكاسب التي حققها منذ بداية العام الجاري عندما كان عند مستويات 61$ للبرميل . ليست هذه مصادفة , كما أنها ليست نظرية مؤامرة كما يحلو للكثيرين أن يسميها حتى يبرر هذا التراجع القاسي .
لابد لنا أن نتمعن في حقيقة واحدة , حدثت وتحدث وسوف تستمر بالحدوث في السنوات والأجيال القادمة : أسواق الطاقة العالمية تغيرت للأبد ولن تعود الى ما كانت عليه قبل عقود من الزمن . هذه الحقيقة لا تعني أن النفط سيختفي , ولكنه يعني بالضرورة أن دور النفط كمصدر للطاقة تراجع , كما أن التأثيرات والمضامين السياسية والاقتصادية لهذا التغيير ستترك ولا شك تأثيرات عميقة في الكثير من السياسات الاقتصادية وخاصة للدول الرئيسية المنتجة والمصدّرة.
لا يمكن أن يقتنع العالم أن تراجع النفط القاسي حدث بسبب تغيير في المعروض أو الاستهلاك العالمي. هناك أربع نقاط لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار :
أولاً , الاستهلاك العالمي لم يتغير بالمطلق وبقي مستقراً قريباً من 100مليون برمبل يومياً , تنتج منظمة أوبك ما يقارب 30% من الإنتاج العالمي , بينما تشكل الصين المشتري الأكبر للنفط في العالم اضافةً لليابان والهند , بينما أمريكا تنتج أكثر من نصف احتياجاتها اليومية التي تعادل تقريباً 19 مليون برميل يومياً.
ثانياً , الاقتصاد الصيني يميل للاستقرار ولكنه لا يحقق نمواً كالذي حققه في السنوات العشر الأخيرة وهذا اقتصادياً متوقع ولا يخيف. لكن الأهم هو أن التصنيع لم يعد يشكل الغاية الأولى للقادة الصينين في وقت يمر الاقتصاد الصيني بتحولات جذرية للاعتماد على الاستهلاك الداخلي والطلب من المستهلك الصيني , وهذا لا يشكل ضغطاً متصاعداً على النفط التقليدي.
ثالثاً , لابد أن نأخذ بعين الاعتبار عوامل التداول حيث تشكل العقود الآجلة للنفط فرصةً ممتازة للمضاربة . شركات النفط العملاقة هي أيضاً مسؤولة لأنها عادةً ما تقوم بعمليات تحوط ضخمة للحماية من تراجع أسعار الطاقة . هذا العامل قد لا يكون حيوياً ولكنه يحدث دائماً .
رابعاً , الطاقات المتجددة والبديلة يزداد دورها اقتصادياً وسياسياً بشكل تدريجي ولكنه مستمر , والأهم أنه حتى الدول التقليدية المنتجة للنفط تستثمر بقوة في سوق الطاقات المتجددة لأنها تدرك تماماً أنه المستقبل وأن حصة النفط التقليدي تتراجع .
لا نعتقد أن أسعار النفط سينقذها الا تدخل سياسي مهم من قبل كبار المنتجين . لا يجب أن ننسى أن الكثير من دول العالم الكبرى والاقتصاديات المستهلكة تفضل بقاء أسعار النفط متراجعة لترفع من سوية استهلاك مواطنيها وخفض عجز ميزانية الطاقة الباهظة ( الهند واليابان ) , ولذلك ان حدث تدخل وهو ما نعتقده يجب علينا أن نكون حذرين في هامش الارتفاع المتوقع . العودة الى مستويات 70$ للبرميل قد تكون ممكنة ولكن لن يكون طريق النفط سهلاً من الآن الى نهاية العام .