المقال مترجم من اللغة الإنجليزية بتاريخ 8/2/2019
يعتمد الرئيس ترامب على النفط السعودي في سد أي عجز من النفط يحدث في السوق، والآن من المحتمل حدوث عجز بسبب تراجع إنتاج النفط الفنزويلي، وهذا الاعتماد يعد حركة جريئة متهورة، بينما يشرع ترامب في محاولات منع إمداد روسيا يد العون للسعودية، والتعاون على رفع أسعار النفط.
يغيب النفط الفنزويلي عن السوق الأمريكي، وتعاني معامل التكرير في ساحل خليج المكسيك جراء ذلك، فتلك المعامل جاءتها إخباريات من البيت الأبيض تنصحهم ألا يتوقعوا دفع بعض النفط المتواجد في الاحتياطي البترولي الاستراتيجي، ويتحدث البيت الأبيض بثقة نظرًا لأنهم "متأكدين" من تعويض السعودية لما ينقص الولايات المتحدة من نفط خلال الأسابيع القادمة، جاءت تلك المعلومات على لسان أحد المصادر العاملة في إدارة ترامب، وأدلى بها لتقرير صادر من خدمة بلاتس يوم الخميس.
وتشير بلاتس إلى أن تعليقات الإدارة الأمريكية مثيرة للاهتمام، وذلك لأن لا أحد من المسؤولين السعوديين ألمح إلى أي خطط رامية إلى تعويض تراجع الإنتاج الفنزويلي، هذا وبينما تحاول الأوبك السيطرة على الإنتاج وتخفيضه لرفع الأسعار.
محاربة الأوبك
في الوقت نفسه، يوجد مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، منتمين للحزبين الجمهوري والديموقراطي، يعملون الآن على مشروع قانون سيقدمونه إلى وزارة العدل، لمقاضاة أعضاء الأوبك على خلفية انتهاكات احتكارية، وتواجه الأوبك تلك الدعوات إذا أقدمت على تحويل التعاون بينها وبين روسيا إلى تعاون رسمي. وأطلقت المجموعة على مشروع القانون هذا "نوبك" وهو يرمز إلى "قانون منع احتكارات إنتاج وتصدير النفط."
ظهر تقرير يوم الثلاثاء من وول ستريت جورنال، ورد فيه معلومات عن آمال سعودية بتكوين تحالف رسمي مسمى بـ الأوبك+10، وهو تحالف بين الأوبك، ومجموعة دول غير ذات عضوية فيها تترأسها روسيا، والهدف من ذلك التحالف هو التحكم في أسعار النفط الخام على مستوى العالم.
ونجح تحالف الأوبك+10 مرتين على مدار السنوات الثلاث الماضية في رفع أسعار النفط إلى مستويات بعد هبوط السلعة إلى مستويات عدة سنوات المنخفضة، وبفضل جهود هذا التحالف يقف سعر خام غرب تكساس الوسيط الآن فوق 52 دولار، بعدما سقط أسفل 43 دولار في ديسمبر الماضي. بيد أن تقارير مختلفة جاءت من بلومبرج، تقول إن روسيا بالكاد تلتزم بما اتفقت عليه من تخفيض الصادرات، وهذا ما يدفع السعودية إلى محاولة إدماجها في تحالف رسمي، لضمان الالتزام المستقبلي بأي اتفاق يعقده الطرفان. جاء رد الفعل السلبي من الكونجرس الأمريكي على تلك الخطط يوم الخميس، ولكن وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، أحبط الخطة السعودية قبل الرد الأمريكي هذا.
الحل الأمثل لأزمة فنزويلا
يجول في خاطر ترامب أن السعودية هي الحل المثالي لأزمة فنزويلا، نظرًا لأنهما تنتجان نفس نوع النفط الثقيل الكبريتي، الذي تحتاجه معامل التكرير الأمريكي لتمزجه مع أنواع الخام الخفيف، لتنتج في النهاية وقود الديزل وغيره من الوقود المستخدم في مركبات النقل. وتنتج كندا هي الأخرى كميات وفيرة من الوقود "الكبريتي" ولكن لديها عجز في خطوط الأنابيب التي تسهل عملية دخوله إلى الولايات المتحدة، كما أن العراق، وكولومبيا، والمكسيك جميعهم ينتجون نفس نوع النفط، ولكن لا يوجد دولة لديها سعة إنتاجية تضاهي السعة السعودية.
يعد اعتماد ترامب على أهم حليف له في الشرق الأوسط للمساعدة في أزمة الطاقة تلك أمر منطقي، بينما سيشعر السعوديون أن الرئيس الأمريكي يعتمد على نواياهم الحسنة، ولكنه لا يشعر بأي نوع من الذنب في إيذاء اقتصادهم، الذي يعتمد على النفط، ويحتاج وصول الأسعار إلى 80 دولار للبرميل.
يقول محلل الطاقة في Price Futures Group، فيل فلين: "لا يمتلك أحد الجرأة الكافية ليطلب ما يطلبه ترامب، ولكنه من المعروف عن ترامب أنه يكره الاتحادات الاحتكارية مثل الأوبك. وتنبع مشكلات عديدة في العلاقة مع السعودية، بسبب تشابك المصالح بين السعودية -الشريك الهام للولايات المتحدة- ومنظمة الأوبك."
بالنسبة لمن يلاحظ السوق، سيرى بأن الدراما السعودية-الأمريكية تعاود الظهور مرة أخرى بعد أقل من عام. والاختلاف هذه المرة، أن الموسم الجديد تظهر فيه فنزويلا مصدرًا للأزمة، بينما في المرة الأولى كانت إيران.
فسخ ترامب الاتفاق الذي عقدته إدارة أوباما مع إيران، وأعاد فرض عقوبات الصادرات النفطية للجمهورية الإسلامية. وتوجه ترامب إلى السعودية طالبًا منها رفع الإنتاج للتعويض عن الفراغ الذي خلفه النفط الإيراني في السوق، وكانت السعودية تمكنت لتوها من رفع أسعار النفط إلى ما فوق 60 دولار للبرميل، بعد التعاون بين الأوبك، والدول العشر المنتجة للنفط.
وبمرور الوقت، صدّرت السعودية مزيدًا من البراميل إلى الولايات المتحدة، والسعر المعياري العالمي، برنت، اقترب من 90 دولار للبرميل، وفي ذلك الحين كان سباق انتخابات التجديد النصفي في أوجه، وخشى ترامب خسارة قاعدته الجماهيرية، فأصدرت الإدارة إعفاءات إلى ثماني دول لاستيراد النفط الإيراني. ورد السوق على قرار ترامب بالانهيار، وجاء الانهيار من مخاوف حدوث تخمة في العرض، إذ تزامنت تلك الإعفاءات مع تسجيل النفط الصخري الأمريكي لأرقام إنتاج قياسية، واجتمعت تلك الأحداث لتشكل عاصفة آتية على الرياض. وعندما حاولت القيادة السعودية أن تخفض الإنتاج النفطي لها، غرّد ترامب بأنه يجب عليها ألا تفعل، مزيدًا من انهيار السعر. وأضيفت لتلك الأوضاع المضطربة مقتل الصحفي السعودي، صاحب الإقامة في الولايات المتحدة، جمال خاشقجي، فازدادت السلطة الأمريكية على سوق النفط، ووضعت تخفيض الإنتاج في كفة، وفرض عقوبات على السعودية في الكفة الأخرى.
بالطبع، لم تكترث الرياض للتهديدات، وبدا حادث مقتل خاشقجي كأمر ثانوي، لأن عدد البراميل التي تصدرها السعودية للولايات المتحدة تراجع تراجعًا متزايدًا. وتوقف ترامب هو الآخر عن التغريد عندما أعلنت الأوبك+10 تخفيض الإنتاج النفطي لرفع الأسعار، ولم يتدخل في السوق أيضًا، حتى وقعت أزمة فنزويلا.
هل تنجح لعبة ترامب؟
ولنضع أوجه التشابه بين أزمة إيران وفنزويلا جانبًا، سنرى أن هناك نقاط اختلاف كبيرة، لأن ترامب في حالة فنزويلا لن يصدر -أو سيعجز- عن إصدار أي إعفاءات لتصدير النفط الفنزويلي، لأن إزاحة الرئيس الفنزويلي، الدكتاتور، هو الهدف النهائي.
والسؤال هنا، ماذا سيجني السعوديون من مساعدتهم لترامب؟ وهل يخاطرون بزيادة الصادرات إلى الولايات المتحدة مجددًا، هل يقدمون على ذلك والسوق بدأ لتوه باستيعاب تخفيضات الأوبك؟
وهناك أيضًا تساؤلًا حول السعة الاحتياطية لأكبر مصدر للنفط على مستوى العالم، فتأتي بعض التقارير على ذكر تراجع الإنتاج منذ ديسمبر، ومشكلات السعودية في وضع مزيدًا من البراميل في السوق بسرعة.
يقول فيل فلين: "لا يعلم أحد ما نهاية هذا. ولا حتى الرئيس نفسه."