تتسارع الأحداث يوما بعد يوم، وعوامل عدة تضيف المزيد من الاحتمالات بعاصفة قادمة على الاقتصاد العالمي بدأت بعض ملامحها تبدو واضحة في حين أن عوامل أخرى لا تزال الآمال بزوالها تؤجل وصول العاصفة.
مدارس الفكر الاقتصادي التي كانت في العديد من الحالات تأتي كرد فعل على أزمة أو مشكلة اقتصادية قد تقف عاجزة عن ايجاد الحلول للخروج من أزمة جديدة إذا ما استمرت العوامل السلبية المؤثرة في الاقتصاد العالمي بالسيطرة، وبقيت الحلول المطروحة لتأجيل الأزمة وليس حلها.
في الفترة الحالية نشهد العديد من التغيرات والتحولات في نهج الدول الذي استمرت عليه لعقود طويلة ونرى اتفاقيات بدأت تنهار واصبحت العولمة وحرية التجارة تحت المجهر في ظل عودة السياسات الحمائية إلى الساحة تقودها الولايات المتحدة الأمريكية في حرب تجارية لا تزال مستمرة وبدأت تؤثر فعليا على المؤشرات الاقتصادية في مجموعة من الدول الكبرى.
هذه التحولات تسارعت في الايام الاخيرة وقد يكون هذا التسارع سببا في وصول العاصفة بشكل أسرع. ورغم أن رد فعل الأسواق المالية لا يزال يتشبث بآمال حلول لهذه التحولات ولكن الافعال على أرض الواقع تظهر أن هذه الآمال قد تتلاشى شيئا فشيئا وهو ما يجعل النظرة إلى أن الأسواق قد تشهد تصاعد في الحركة وتذبذب الأسعار في الفترة القادمة.
ويمكن اختصار أهم العوامل والأحداث التي نترقبها في الأسواق في الفترة الحالية والتي تؤثر بشكل كبير في اتجاه الأسواق في العوامل التالية:
الحرب التجارية:
تصاعدت خلال الفترة الماضية الحرب التجارية التي بدأها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والتي يحاول من خلالها تطبيق السياسة الحمائية لتشجيع الصناعة الأمريكية وتقليص العجز التجاري الأمريكي مع دول العالم.
ورغم أن النظرة في الفترة الحالية تتركز على الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين ولكن هناك جبهات أخرى لهذه الحرب ولكن المواجهة بها لم تبدأ بعد ويبدو أن هناك نية لدى الولايات المتحدة لتأجيلها، حيث يفترض ان تدخل الجمارك على السيارات حيز التنفيذ يوم السبت المقبل ولكن تقارير عن مسؤول أمريكي تحدث عن نية الرئيس ترامب تأجيل تطبيق هذه الجمارك لستة أشهر أخرى وهو ما يؤجل فعليا التأثير.
في الوقت نفسه تتزايد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين بعد أن قام ترامب بتوقيع أمر إداري يقضي بوضع شركة هواوي للتكنولوجيا و 70 من شركائها ضمن قائمة الكيانات وهو ماي منع هذه الشكرتا من الحصول على مكونات من الولايات المتحدة إلا بموافقة حكومية وهو ما يضع تساؤلات حول قدرة هواوي على توفير خدمات الجيل الخامس.
القرارات والاخبار جعلت التحركات في الاسواق متناقضة حيث دفعت الانباء عن تأجيل تنفيذ الجمارك على السيارات بالأسواق للآمال وشهدنا بعض الارتفاعات في مؤشرات الأسهم قبل أن تعود حالة السلبية بعد القرار بمنع هواوي من الوصول إلى السوق الأمريكي.
الحالة الحالية يمكن وصفها بمحاولة الاطراف فرض قيود لخفض سقف التنازلات في الحرب التجارية ومحاولة الضغط على الطرف الآخر للتنازل وكأنها لعبة شد الحبل يحاول فيها كل طرف محاولة جذب الحبل لطرفه بحجم أكبر لعل خصمه يقع ويستسلم قبله.
التوتر الجيوسياسي في الشرق الأوسط
سلسلة من الاحداث المتتالية تلاها ردود افعال وتصريحات لتبدأ ملامح مواجهة عسكرية وشيكة في االشرق الأوسط بالظهور. عمليات ارهابية متتالية طالت ناقلات نفط وسفن ومن ثم تفجير انابيب نفط بواسطة طائرة بدون طيار في المملكة العربية السعودية لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنها. كانت كافية لاشعال التوتر وشهدنا أنباء وتصريحات وتهديدات لمواجهة وشيكة مع ايران وهو ما عزز المخاوف من تأثر امدادات النفط بالمنطقة بهذه الأزمة لنشهد معها ارتفاعا في أسعار النفط قبل أن يخفف من هذا الارتفاع البيانات الأمريكية عن الانتاج النفطي الأمريكي ولكن قد لا يكون هذا الانتاج كافيا لتخفيف المخاوف حول مستقبل منطقة الشرق الأوسط في حال حدوث مواجهة.
التوقعات بخفض الفائدة الأمريكية
مع تزايد الضغوط نتيجة الحرب التجارية والبيانات الاقتصادية الضعيفة من الولايات المتحدة والتي كان آخرها تراجع مبيعات التجزئة الشهرية في الولايات المتحدة دفع باحتمالات خفض الفائدة إلى التزايد. وبعد أن كنا في العام الماضي نتحدث عن سلسلة من عمليات رفع الفائدة الأمريكية، بدأت الانظار تتجه نحو احتماليات كبيرة لخفض الفائدة الأمريكية قبل نهاية العام مع احتمال جيد بان يكون هذا الخفض خلال اجتماع سبتمبر المقبل.
البريكسيت بدون صفقة
وفي جانب آخر وبعيدا عن الولايات المتحدة، لا تزال رئيسة الوزراء البريطانية تعاني في محاولاتها لتمرير صفقة للخروج من الاتحاد الأوروبي اليوم حيث قد تتعرض لهزيمة جديدة اليوم مع مواجهتها لاعضاء برلمان من حزب المحافظين الذين يطالبونها بوضع خارطة طريق للاستقالة وهو ما يستمر بالضغط على الجنيه الاسترليني في الفترة الحالية ليكون الخاسر الأكبر يوم أمس وقد تستمر خسارته اليوم ايضا.
الواقع الحالي:
ما سبق لا يمكن اعتباره سوى بعض من العديد من العوامل والتفاصيل الكامنة التي تتحكم بالاسواق في الفترة الحالية والتي تدفعنا إلى النظر بأنه أي ايجابية قد نشهدها قد لا تستمر طويلا في ظل أن العوامل أعلاه قد بدأت فعليا بالانعكاس على الاقتصاد العالمي والآثار السلبية بدأت بالظهور شيئا فشيئا، سواء بتراجع في البيانات الصينية وانباء عن مخاوف دخول الاقتصاد الياباني في مرحلة ركود وغيرها والتي يمكن لها أن تدفع بالاسواق إلى تذبذبات قوية خلال الفترة المقبلة قد يكون الرابح الأكبر فيها الملاذات الآمنة وخاصة الذهب مع امكانية تسارع في ارتفاعات اسواق النفط إذا ما شهدنا تطورات أكبر في التوتر الجيوسياسي والمزيد من التراجعات للجنيه الاسترليني إذا ما استمرت تيريوا ماي بمواجهة الرفض لصفقتها للخروج واجبرت هي على الخروج بوقت اسرع من الحكومة البريطانية.