المقال مترجم من اللغة الإنجيلزية بتاريخ 6/10/2020
كل ثلاث سنوات، يصدر مجلس الاحتياطي الفيدرالي دراسة عن الأمور المالية المتعلقة بالمستهلك. تمثل هذه الدراسة تقريراً يمتلئ بالبيانات حول كل شيء، من صافي ثروة الأسر، إلى الدخل. وتؤكد النسخة الأخيرة من الدراسة، والصادرة في 2019 الأراء التي قمت بالكتابة عنها سابقاً، فيما يتعلق بكيفية تدخل بنك الاحتياطي الفيدرالي في التفاصيل النقدية، وكيف جعل هذا التدخل شريحة الـ 10٪ الأعلى دخلاً، أغنى من أي وقت مضى، بينما تركوا الغالبية العظمى من الأمريكيين وراءهم.
وبينما سنتناول هنا بيانات إحصائية، هناك أيضاً أدلة ثانوية تدعم هذه الطرح. فمنذ عام 2008، كانت هناك دعوات متزايدة لسياسات اشتراكية مثل الدخل الأساسي الشامل، ورفع درجة الرعاية الاجتماعية، وحتى ذلك المرشح، الذي ترشح لمرتين للرئاسة، والذي كان اشتراكياً باعترافه. لن تحدث مثل هذه الأشياء إذا كان الاقتصاد "منتعشاً" بالفعل.
الاحتياطي الفيدرالي أو النمو
"لقد أصبح التفاوت بين تدخلات الاحتياطي الفيدرالي، وسوق الأسهم، والاقتصاد الحقيقي، واضحاً تماماً. بالنسبة لـ 90٪ من الأمريكيين، لم يكن هناك، ولن يكون هناك أي انتعاش اقتصادي."
هل تشير الأسهم إلى بنك احتياطي قوي أم إلى اقتصاد قوي؟
الأسهم ليست هي الاقتصاد
ألق نظرة فاحصة على الرسم البياني أعلاه.
تستمد الشركات إيراداتها من استهلاك السلع والمنتجات والخدمات التي تقدمها. ومن المنطقي أن ترتفع أسعار الأسهم على المدى الطويل، بنسبة قد تعادل تقريباً نسبة النمو الاقتصادي. ولكن هذه العلاقة قد أصبحت مفككة منذ الأزمة المالية، بسبب تدخلات بنك الاحتياطي الفيدرالي وبسبب أسعار الفائدة الفائقة الانخفاض.
من أول أيام عام 2009 حتى نهاية يوليو 2020، ارتفع سوق الأسهم بنسبة مذهلة بلغت 203٪، أو ما يقرب من 18٪ سنوياً. مع مثل هذا الارتفاع الضخم في السوق، يجب أن يكون هناك معدل نمو اقتصادي يناسب ذلك.
بعد 4 برامج "تسهيل كمي" هائلة الحجم، قادها بنك الاحتياطي الفيدرالي، وبعد برنامج تمديد تاريخ الاستحقاق، وبرامج الإنقاذ التي تضمنت برنامج إغاثة الأصول المتعثرة TARP، وبرنامج السيولة المؤقتة المضمونة TGLF، وبرنامج تعديل القروض العقارية HAMP، وبرنامج إعادة تمويل القروض العقارية HARP، وعمليات الإنقاذ المباشرة لشركات مثل بير ستيرنز، وجنيرال موتورز، والدعم المصرفي، وما إلى ذلك. بعد ضخ ما مجموعه أكثر من 36 تريليون دولار من خلال هذه البرامج، بلغت النسبة الحقيقية للنمو الاقتصادي التراكمي 21.35٪ فقط (وذلك مع افتراض زيادة بنسبة 32٪ في الناتج المحلي الإجمالي للربع الثالث من عام 2020).
ورغم أنه من المفترض أن تدعم التدخلات النقدية النمو الاقتصادي من خلال زيادة ثقة المستهلك، إلا أن النتيجة كانت مختلفة تماماً.
إما الـ 10٪ الأعلى دخلاً أو مصاعب اقتصادية
هذا ليس صحيحاً، كما لاحظت وول ستريت جورنال سابقاً:
"منذ الركود الاقتصادي بين 2007 و2009، وحتى ديسمبر 2019 - قبل عمليات الإغلاق المرتبطة بالكورونا - شهدت الأسر في شريحة الـ 20٪ الأدنى دخلاً انخفاض أصولها المالية، مثل النقد المودع في البنوك واستثمارات الأسهم والسندات وصناديق التقاعد، بنسبة 34٪، وذلك وفقاً لبيانات بنك الاحتياطي الفيدرالي المعدلة للتضخم. أما الأصول المالية للشريحة التي تقع في منتصف توزيع الدخل، فلم ترتفع إلا بـ 4٪."
هذا ليس مستغرباً. فلقد كشف تقرير بحثي حديث صادر عن شركة BCA للأبحاث، عن أحد أسباب تزايد فجوة الثروة في الولايات المتحدة: شريحة الـ 10٪ الأعلى دخلاً تمتلك 88٪ من الأسهم، بينما تمتلك شرائح الـ 90٪ الأدنى دخلاً، مجتمعة، 12٪ فقط.
دراسة لبنك الاحتياطي الفيدرالي تؤكد الافتراضات
تؤكد الدراسة الأخيرة التي أجراها بنك الاحتياطي الفيدرالي عن المالية المتعلقة بالمستهلك جميع افتراضاتنا السابقة.
فبينما تستمر وسائل الإعلام السائدة في الترويج لفكرة أن الاقتصاد يتحسن، يشير المتوسط الحقيقي لصافي الثروة (المعدل حسب التضخم) إلى أن هذا ليس هو الحال بشكل عام. فعلى الرغم من ارتفاع أسعار الأصول، إلا أن صافي ثروة الأسر قد ارتفع فقط إلى المستويات التي شهدها في عام 1998.
ولكن حتى هذا الرأي يُعتبر متفائلاً للغاية، لأن الانتعاش في صافي الثروة يعاني من انحراف كبير إلى شريحة الـ 10٪ الأعلى دخلاً.
جيل الـ (بومرز) لا يمكنهم التقاعد
لقد حاول العديد من الاقتصاديين تفسير انخفاض معدل المشاركة في القوى العاملة LFPR على أنه نتيجة تقاعد جيل طفرة المواليد التي تبعت الحرب العالمية الثانية، أو ما يسمى في الولايات المتحدة جيل الـ (بومرز). لكن لم يكن هذا هو الحال، نظراً لانهيار صافي ثروة الذين ينتمون لهذا الجيل. وليس السبب في ذلك أنهم لا يريدون التقاعد، بل أنهم لا يستطيعون ذلك، بسبب ما سيحمله التقاعد من مصاعب مالية لهم.
كما أن قصة "الانتعاش الاقتصادي" تُصبح قصة مجزأة للغاية عند النظر إلى متوسط الدخل. فوفقاً لمسح بنك الاحتياطي الفيدرالي، فإن متوسط دخل الأسرة قبل الضرائب بالكاد تجاوز ما كان عليه في مسح البنك في عام 2001.
ومع ذلك، مرة أخرى، تصبح القصة الحقيقية أكثر وضوحاً عند تقسيم الدخل إلى شرائح عشرية.
ومن المثير للاهتمام، أن الفئتين العمريتين الوحيدتين اللتين تحسن الدخل فيهما منذ عام 2007 هما فئات تقع في أعلى 20٪ من أصحاب الدخل. ومن جديد، فإن هذا يشير هذا إلى أن الهبوط معدل المشاركة في القوى العاملة لا علاقة له بالتقاعد. فهنالك الكثير من الأفراد الذين يعملون في سنوات التقاعد، ليس لأنهم يريدون ذلك، بل لأنهم يحتاجون ذلك.
هذه ليست الحقيقة بالكامل
فعلى الرغم مما تتحدث عنه خطاب وسائل الإعلام، بإن ارتفاع سوق الأسهم، والذي كان مدفوعاً بتدخلات بنك الاحتياطي الفيدرالي، قد عزز الاقتصاد الكلي، إلا أن الواقع مختلف تماماً.
ونظراً لأن معظم السكان إما أنهم لا يشاركون، أو يشاركون بشكل هامشي في الأسواق المالية، فقد بقي "التعزيز" الاقتصادي مركّزاً في أعلى 10٪. في مسح الاحتياطي الفيدرالي، تم تقسيم البيانات بعدة طرق، لكن القصة تبقى كما هي: ان متوسط قيمة الأصول المالية للعائلات قد انخفض بشكل حاد منذ مطلع القرن.
باستثناء أولئك المتواجدين في الـ 10٪ - 20٪ الأعلى بين فئات الدخل.
وبينما كان بنك الاحتياطي الفيدرالي يأمل في أن يؤدي تضخم أسعار الأصول إلى تعزيز ثقة المستهلك، والاستهلاك، والنمو الاقتصادي، فإن المشكلة تكمن في أنه مع انخفاض الدخل وارتفاع تكاليف المعيشة، فإن القدرة على الادخار والاستثمار استعصت على معظم العائلات.
ومن جديد، بقيت الفائدة من تدخلات الاحتياطي الفيدرالي مركزة في الـ 10٪ - 20٪ الأعلى بين فئات الدخل.
حسابات التقاعد تفشل في تحقيق المطلوب منها
عند النظر إلى المشهد المالي للعائلات، فإن المستقبل لا يبدو مشرقاً. فنسبة الأسر التي لديها حسابات تقاعد اليوم، هي أقل مما كانت عليه في عام 2001، على الرغم من ارتفاع أسعار الأصول. ومرة أخرى، فإن ذلك هو نتيجة للاختلاف بين الدخل وتكلفة المعيشة.
لكن من جديد، فإن السنوات الخمس الأخيرة كانت مليئة بالمكاسب لشريحة الـ 10٪ - 20٪ الأعلى بين فئات الدخل.
ملكية الأعمال التجارية
أخيراً، وكما تحدثنا في وقت سابق، هنالك خلل عميق في تعديلات أرقام مكتب إحصاءات العمل، بين تقارير التوظيف، وأدلة قليلة تدعم نموذج "الولادة/الوفاة"، والذي يمثل إضافة كبيرة لنمو الوظائف منذ عام 2009. الافتراض هو أنه في كل شهر، هنالك أفراد يبدأون نشاطاً تجارياً أو يغلقونه. ويفترض مكتب إحصاءات العمل أن "العمل الحر" لا يظهر في استبيان التوظيف المنتظم. ومع ذلك، فإن المشكلة تكمن في أن عدد العائلات التي لديها ملكية في أعمال تجارية في انخفاض مستمر منذ عام 1992.
طبعاً، باستثناء الـ 10٪.
إن الافتقار إلى التحسن الاقتصادي واضح في جميع أقسام البيانات. ومع ذلك، فإن السبب الرئيسي والحقيقي لتقسيم الثروات بهذا الشكل، هو سياسات الإدارات الحالية والسابقة، أكثر من أي شيء آخر. وفي حين أن التدخلات المستمرة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي دفعت أسعار الأصول إلى الارتفاع، وزادت الطلب على أصول المخاطر، فإن معظم العائلات الأمريكية وجدت نفسها خلف ذلك.
الوضع الطبيعي الجديد
لقد غيّر التحول الهيكلي الذي شهده العقد الماضي الأسس المالية للاقتصاد ككل، وبشكل دائم. وهذا يوحي بأن الوضع الحالي الذي نشهد فيه نمواً اقتصادياً بطيئاً هو الوضع الطبيعي الجديد. وعلى هذا النحو، ستبقى أسعار الفائدة عالقة بالقرب من مستوى الصفر، فيما تُصبح التركيبة السكانية هي القدر.
هذا يشير إلى أن المستقبل سوف يتسم باستمرار التقلب في عوائد سوق الأسهم، وبيئة تضخمية يصاحبها الركود، فتبقى الأجور في مكانها، بينما ترتفع تكاليف المعيشة.
إننا نقترب من نهاية لعبة استمرت لثلاثة عقود من التجاوزات، ولا يمكننا أن ننكر ثُقل اختلالات الديون الحالية. إن الدواء الذي يصفه الاحتياطي الفيدرالي هو مجرد علاج لنزلات البرد، وفي حالتنا هذه، يصفه لركود نموذجي في الدورة الاقتصادية.
ونتيجة لهذه السياسات، رغم أن هذه النتيجة لم تكن مقصودة، عانى 90٪ من السكان من "سرطان الديون". إن محاولة حل مشكلة الديون بالمزيد من الديون يشبه إعطاء المريض الأسبرين لأنه يعاني من الألم. ففي حين أن هذه الوصفة الطبية قد تخفي "الألم" مؤقتاً، إلا أنها ليست "علاجاً".
ولو كان ذلك علاجاً فعلياً، فهل كانت نسبة متزايدة من الأمريكيين ستؤيد فكرة "الاشتراكية"؟