كما في 2008، نفس سيناريو انهيارات البورصة المصرية
أذكر وقتها كنت أقدم سلسلة محاضرات عن الاستثمار في أسواق المال العالمية وبورصة العملات الدولية وتطرقنا للمقارنة مع أسواق الأسهم العربية وخاصة البورصة المصرية.
وتحدثت في أول محاضرة عن البورصة المصرية وقلت بشكل قاطع أن لحظة انهيار البورصة المصرية قد حانت... وأنها حتما ستنهار بالتزامن مع أزمة وول ستريت وقتها لأسباب كثيرة عددتها ...
وتفاجأت من كمية الدفاع من خبراء ومحللين كانوا حاضرين ومستثمرين عن البورصة وأن هذا مستحيل أن يحدث في البورصة المصرية!!!
وكان المحللون من شركات عديدة يظهرون وقتها على شاشات اقتصادية عدة يتحدثون عن دعوم فنية عند قيعان محددة وأنه من المستحيل أن يتخطاها السعر... وكأنها خط بارليف الحصين.. وقد انهار!!!
عندما تدافع عن شيء لمجرد أنك متورط في صفقات، أو ورطت معك مستثمرين، فهذا أول بل هو طريق الفشل!
لا يوجد شيء اسمه دعم لا يمكن أن يتخطاه المؤشر أو السعر
ولا يوجد شيء اسمه نقطة ارتداد قوية، ما الذي يجعلها قوية؟!!
هذه أمور فنية تخضع للاحتمالات، وأقصى نسبة احتمال هي 50:50
أي نسبة تحققها لا تزيد عن 50%
كما ان نسبة عدم تحققها هي أيضا 50%
وبالتالي فالجزم هنا بسيناريوهات محددة هو مجرد دجل، لا يمت للتحليل بجميع أنواعه بأي صلة!
فالمحلل يفند ما لديه من معطيات، وما يتوفر لديه من بيانات وأخبار، ودلالات، مستخدما ما يتقنه من أدوات فنية أو أساسية ليخرج بتوقعاته للأسعار المتوقع التحرك باتجاهها، ويتم الترجيح بينها بناء على المعطيات.
كل ذلك، مع بقاء نسب الحدوث عند النسب الثابتة 50:50
أما عن أسباب الانهيارات فهي ليست فنية بالمرة
وقد لا تكون خاضعة لأي نوع من أنواع التحليل
فلربما كانت لأسباب جيوسياسية، أو فوق اقتصادية!
وكثيرا ما تكون لأسباب خاصة ببنية النظام المالي والاقتصادي في البلد الذي توجد به البورصة.
لدينا مثلا وول ستريت
تحدث انهيارات، وآخرها مثلا حادثة صندوق أركجوس، والسبب الرئيسي فيها هو بنية النظام نفسه، وسيطرة البنوك على كل مفاصل أسواق المال من خلال أذرعها المالية والاستثمارية المختلفة، والتي تتحرك بجشع، غالبا ما يحدث الكثير من المخالفات، بغرض تحقيق أرباح أكثر.
وهي مشكلة متكررة، ولم يوجد لها علاج حتى الآن، لماذا؟
لأن المصارف هي التي تتحكم الآن في وول ستريت، بل وتشكل قوانين أسواق المال حسب رغباتها!
فليس ضروريا أن يكون سبب الانهيار سببا اقتصاديا، أو وضع الشركات، أو حتى وضع البلد الاقتصادي...
فهناك أسباب أخرى قد لا نستطيع حتى ذكرها في كلامنا هنا!
ولعل من أشهر أسباب الانهيارات أيضا، عمليات الاستحواذ
فهناك سبل منحرفة يتبعها مديرو الأصول الكبار أصحاب السيولة العالية بخلق حالات من التوتر والقلق وزعزعة ثقة المستثمرين في أسهم شركات معينة، بالبيع المفاجئ بكميات كبيرة لأسهمها، وبث ذلك عبر الإعلام لبث الرعب والخوف في الأسواق للتخلص من أسهم الشركات المحددة، فيتجه الجميع للتخلص من أسهمها بالبيع حتى تصل الأسهم للقاع الذي ليس بعده قاع!
وهنا يعود مديرو الأصول للشراء بغرض الاستحواذ بأبخس الأثمان!
كما أن الخسارة ليست بالتأكيد بسبب أخطاء المستثمرين
فلا ينبغي جلد الذات، فيما لا تتحمل أسبابه.
فالخسارة قد تكون بسبب السوق ذاته وليس أسلوب أو طريقة المستثمر
ولعل ما يحدث حاليا يوضح ذلك بجلاء!
فماذا يفعل المستثمر؟
صراحة قد لا يتوفر ما يمكن أن ينصح به المستثمر في مثل تلك الحالات
فهي حالات استثنائية، خارجة عن السيطرة، ولا يمكن إخضاعها لأي خطط تحوط!
لكن بالأساس فإن عدم المخاطرة برأس المال العامل في أسهم عالية الخطورة.
وعدم المخاطرة بكامل رأس المال في الاستثمار بالأسواق عالية الخطورة بداية هما أهم قاعدتين في هذه الأسواق، طالما كنت مهتما بالاستثمار فيها.
وهناك نصائح تخضع للتعامل الفني مع تلك الحالات، أهمها: وقف الخسارة.
استخدام وقف الخسارة ضمانة أساسية للحافظ على كامل رأس المال من الضياع.
فوقف الخسارة يجعل الخسارة محددة، ضمن نطاق الخسائر الذي يمكن تحمله.
وأيضا الصبر.
فإنك كمستثمر تصبر على السهم فترات طويلة، فلماذا لا تصبر عليه وقت الهبوط؟ فهو غالبا سيرتفع من جديد
وهذا ما حدث في 2008، وكثيرا ما حدث مع العديد من الأسهم.
وبالتالي فالهروع للبيع والتخلص من السهم بأي خسائر قد لا يكون هو الحل الأفضل، بالعكس، قد يكون الاحتفاظ بالسعر هو طوق النجاة لرأس المال، والذي يمكنه جنى المزيد من الأرباح مستقبلا بعد ارتفاع سعر السهم.
الخلاصة:
أسواق المال ليست نزيهة بالشكل الذي تتخيله
ولا هي مثالية أيضا
بل إن هناك الكثير مما يمكننا تسميته تلاعب، ولكن ضمن نطاق القانون!
القانون الذي قد يبرئ من يفعل ذلك لعدم ثبوته، لأن من يفعل ذلك ذكي بالقدر الذي يمنع كشفه بالتأكيد!!!