ما تقرؤونه لا لغط فيه، فالمخاطر التي تتعرض لها شركات الأدوية العالمية، برغم انتعاشها في زمن كورنا، أكبر بكثير مما تراه الأعين، إذ بينما تخوض معركة حماية براءات الاختراع، ومنع أي مساس باحتكارها المعرفة الفنية، يطل برأسه فجأة تدقيق أمريكي وأوروبي ليضرب بعض حصون القطاع الدوائي، ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تواجه الصناعات الدوائية (SE:2070) الآن خطر إقرار قوانين تكافح الأنشطة المعرقلة للمنافسة، وعليه، باتت حوالي 150 مليار دولار من عائدات القطاع الرئيسة في الولايات المتحدة تحت طائلة قانون المنافسة سواء من الأدوية الجنسية أو البدائل الحيوية.
لا شك أن أي سيناريو متشدد يرفض عمليات الاندماج والاستحواذ، يعني تراجعاً كبيراً في أرباح شركات الأدوية ولفترات طويلة، وتخفيضات حتمية في التوزيعات النقدية لحملة الأسهم، وهبوطاً في تصنيفها الائتماني، ولهذا، تخشى شركات الأدوية منحدر خطير يهدد بحدوث هزة في الصناعة، وبالرغم من أن تسعير الأدوية يظل من بين أهم ثلاث قضايا تشغل الناخبين الأمريكيين، إلا أن مكافحة الاحتكار عبر التشريعات القانونية ليس مؤكدا حتى الآن، إذ يحتاج الديمقراطيون إلى إقناع ما لا يقل عن عشرة أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ بالتصويت معهم لإقرار المشروع، ويراهن هؤلاء على الغضب المتنامي تجاه شركات التكنولوجيا، وهو الغضب الذي قد يؤدي إلى تحرير بعض الجمهوريين من ميولهم للسوق الحرة عندما يتعلق الأمر بمكافحة الاحتكار.
يقيناً، فإن أن أي محاولة من شركات الأدوية للحفاظ على الوضع الراهن الذي أفاد الصناعة خلال العقدين الماضيين سيكون خطأً فادحاً بامتياز، لأن الضغط السياسي وغضب الرأي العام الأمريكي عند أعلى مستوياته على الإطلاق، وإذا كانت بوابة تسعير الأدوية مغلقة، فإن الأبواب الأخرى تبقى مفتوحة على مصراعيها، ولهذا، فإنه من الأفضل للصناعة تفادي أي مسار تشريعي قد يؤدي إلى ذبح دجاجتهم التي تبيض لهم الذهب.
برغم التحديات، سيظل قطاع الأدوية والتكنولوجيا الحيوية مربح جداً لحملة الأسهم، إذ يقدر سوقه بنحو 1.3 تريليون دولار، وتتميز شركاته الكبرى بقدرتها الفائقة على اكتشاف وتسويق منتجاتها العلاجية المتنوعة، والتي تدر على هذه الشركات إيرادات مالية مستدامة، إذ تتوقع شركة "موديرنا" أن يدر لقاحها، الذي طورته بالاشتراك مع الحكومة الأمريكية 18.5 مليار دولار للشركة هذا العام، بينما تتوقع شركة "فايزر" الحصول على 15 مليار دولار من مبيعات لقاحها، ولهذا، نشاهد منذ اندلاع الجائحة إقبالاً كثيفاً من المستثمرين على شراء أسهم القطاع الدوائي، فيما يشترى بعضهم في أحد الصناديق المتداولة التي تستثمر عادة في أكثر من شركة.
الأمر الآخر المشرق للصناعة، والمبشر لحملة الأسهم، هو استمرار زخم النمو، فشركات كبرى مثل "كوداك" انتقلت من عالم معدات التصوير والكاميرات إلى قطاع إنتاج الأدوية، وسبقتها شركة "فوجي فيلم" اليابانية، التي باشرت العمل على لقاح محتمل لفيروس كورونا، كما شهدت السوق في بداية الجائحة دخول كبار منتجي السيارات إلى عالم صناعة المعدات الطبية، بسبب النقص الحاد في أجهزة التنفس الاصطناعي، ما يعني استمرار الاتجاه الصاعد في قيمة الأسهم.