مع أنني لست من أنصار تشبيه الحياة بـ "المعركة الضروس" لما في ذلك من قسوة في التعبير قد تنعكس نظرة سلبية إلى الحياة تعتبر كل ما حولنا عدو يحاول النيل منا، إلا أن الحكمة التي جعلتني أتلمس طريق النجاح في حياتي المهنية جاءت من الكتب العسكرية التي تُعنى بوضع استراتيجيات للحروب والمعارك، وبالتحديد من كتاب "فن الحرب" الذي وضعه الفيلسوف العسكري والاستراتيجي الصيني صن تزو قبل ما يزيد على 2500 سنة. كتابٌ ما يزال إلى يومنا هذا المرجع الأهم للقادة والاستراتيجيين وحتى للشركات الكبرى ورواد الأعمال ايضًا.
الحكمة التي نتحدث عنها تقول ما معناه:
"اعرف نفسك وستكسب نصف المعارك التي تخوضها ضد العدو، اعرف عدوك وستكسب نصفها الآخر، لكن إذا عرفت نفسك وعرفت عدوك فستنتصر في كل المعارك".
لكن قبل أن أبدًا في إسقاط هذه الحكمة على العمل التجاري والمالي، أو الحياة العملية بشكل عام، لا بد لنا من أن نتفق على "من هو العدو؟" وعن أية معركة نتحدث!
هل العدو هو الظروف؟ هل العدو هم أولئك الذين يقفون عقبة في طريق تحقيقنا للنجاح؟ هل هو نقص الموارد؟ هل هم من ينافسوننا في مجال عملنا؟
قد يكون كل ما سبق صحيح وقد لا يكون، لكن علينا أن نتفق أن أكبر وأشرس وأخطر عدو للإنسان هو الإنسان نفسه، أو بعبارة أدق "نقاط ضعفه"، فالإنسان الذي يتلافى نقاط ضعفه سيكون من الصعب على الظروف أو المنافسين أو أعداء النجاح أن يكسروه.
وعندما ننطلق من أن نقاط ضعفنا هي العدو الذي يجب أن نعرفه إذا ما أردنا إلحاق الهزيمة به، فستكون معرفة النفس، التي تتحدث عنها الحكمة، هي معرفة نقاط قوتنا.
لكن صن تزو لم يكن يقصد المعرفة المجردة عندما قال " اعرف نفسك واعرف عدوك"، بل هو قصد المعرفة التي يأتي بمقتضاها فعل إيجابي، أي أن نعرف نقاط ضعفنا ونعمل جاهدين على تلافيها والتخلص منها، وأن نحدد مكامن قوتنا ونعمل على تعزيزها وتنميتها.
والآن، بعد أن حددنا المقصود بـ “العدو"، بات بإمكاننا أن نسقط هذه القاعدة الاستراتيجية على حياتنا العملية لتصبح:
"اعرف نقاط قوتك وستنجح بنسبة 50%، اعرف نقاط ضعفك وستنجح بنسبة 50% أيضاً، لكن إذا عرفت نقاط قوتك ونقاط ضعفك معاً فستنجح في حياتك بنسبة 100% وستصل إلى ما تريد".
بالإمكان إسقاط هذه القاعدة أيضًا على أي مشروع استثماري أو تجاري، فصاحب المشروع الذي لا يعرف سوى نقاط قوة مشروعه (أو العكس) يغامر بأن تفشل نصف الخطوات التي يقوم بها، مهما كانت نقاط القوة هذه كثيرة، وأما المشروع مضمون النجاح فهو الذي يعرف أصحابه ما له وما عليه تمام المعرفة، لأن هذا سيتيح لهم التحوط ضد أية مخاطر يعرفونها مسبقًا من جهة، واستثمار ميزات المشروع إلى أقصى حد من جهة أخرى، وهذه هي بالتأكيد القاعدة الذهبية للنجاح.
متسلحين بهذه الحكمة التي يزيد عمرها عن 2500 عام، لن تكون الحياة أو الاستثمار "معركة شرسة" بالنسبة لنا بعد الآن، وإنما رحلة شيقة نحو تحقيق الأهداف والطموحات، نسير فيها واثقين من النجاح فيها، مطمئنين إلى خواتيمها.
محمد سلمان.
باسم عبد الكريم.