تصريحات الأمير محمد بن سلمان بأن تجميد النفط لن يتم عندما قال لبلومبيرج "معارك النفط لا تعنينا" كان عبارة عن استشعار واضح؛ حيث إن بعض المنتجين ليس لديهم الرغبة الجادة في تجميد إنتاجهم، بينما البعض الآخر يعتقد أن بقاءهم خارج اتفاق التجميد سوف يعفيهم من هذا الاتفاق.
هكذا قامت روسيا بالتهديد على أنها مستعدة لإغراق السوق النفطية بزيادة إنتاجها إلى 12 أو 13 مليون برميل يوميا (رويتر في 20 ابريل 2016). لقد كشف فشل تجميد الإنتاج في الدوحة نوايا روسيا بأنها ما زالت متمسكة بسلوكها الإنتاجي التاريخي كما ذكرته في مقالي بعنوان "لن تلدغ السعودية مرتين" ("الرياض"، 2 فبراير 2016م).
فهي ما زالت مستمرة في إنتاجها عند الحد الأعلى لطاقتها على حساب المنتجين الآخرين وخاصة السعودية، إن تهديدها لدول مجموعة اوبك محاولة فاشلة للضغط على أعضاء الاوبك بتخفيض إنتاجهم ودليل واضح على أنها لا يهمها استقرار الأسواق ولا مصالح الغير فقط مصالحها وعلى حساب أكبر المنتجين من الاوبك.
روسيا تصرح انها سوف تنتج عند مستويات تاريخية جديدة، فلا يعني أن إنتاجها الأكبر عالميا سوف يجعلها قائدة لأسواق النفط، فلم يكن سلوكها الإنتاجي في يوم من الأيام قد قاد السوق بل إنها تترقب قرارات الاوبك من أجل اتخاذ القرار المناسب لها وبهذا تكون تابعة وليست قائدة، فلم تتعاون تاريخيا مع الاوبك ولن تتعاون معها مستقبليا، متجاهلة قدرة الاوبك بقيادة المملكة على زيادة إنتاجها من أجل المحافظة على حصصها السوقية واستقرار الأسعار العالمية.
هذا ما تم تأكيده على يد الأمير محمد بأن السعودية قادرة على زيادة إنتاجها إلى 11.5 مليون برميل يوميا على الفور وإلى طاقتها الحالية 12.5 مليون برميل يوميا في المدى القصير لتلبية ما تحتاجه الأسواق العالمية وليس لإغراق تلك الأسواق كما جاء في تصريح الوزير الروسي، كما ان السعودية قادرة على زيادة طاقتها الانتاجية الحالية الى 20 مليون برميل يوميا على المدى الطويل.
شركات النفط الروسية لم تثبت يوما ما تعاونها مع منظمة اوبك ولن تتعاون حاضرا أو مستقبليا حتى ولو أبدت رغبتها. فدائما سلوكها الإنتاجي يخالف مسار انتاج الاوبك فقط عندما تخفيض الاوبك إنتاجها من أجل تعظيم عائدها النفطي على حساب الاوبك.
عندما قامت اوبك بخفض إنتاجها من 29.5 مليون برميل يوميا في عام 2000م الى 26.8 مليون برميل يوميا في عام 2002م، رفعت روسيا إنتاجها من 6.5 ملايين إلى 7.4 ملايين برميل يوميا خلال نفس الفترة، ثم استمر إنتاج الاوبك بعد ذلك بمتوسط 31.5 مليون برميل يوميا حتى وقتنا الحاضر، بينما استمر إنتاج روسيا في التصاعد حتى تجاوز هذه الأيام 10.7 ملايين برميل يوميا.
ثم تقوم روسيا بمناقضة نفسها بقولها إنها تحتاج إلى موافقة تشريعية جديدة لتخفيف العبء الضريبي على الحقول الناضجة في سيبيريا الغربية وتشجيع التنقيب في مناطق أخرى، وإلا أصبح رفع الإنتاج مستحيلاً. إنها حقيقة فمعظم حقولها متقادمة مع ارتفاع تكاليفها الانتاجية وعلى وشك النضوب، وهذا ما اضطرها الى نقاش تجميد الانتاج مع الاوبك.
ليست هناك اي فائدة من هذا التجميد بعد تهديد روسيا ومواصلة إيران زيادة انتاجها الى 4 ملايين برميل يوميا، فلندع عوامل السوق تحدد الاسعار لنرى من يخرج من السوق أولا على المدى الطويل.
إن بقاء اسعار النفط في نطاق 40 دولارا هو الأفضل لردم الفجوة بين العرض والطلب على المدى المتوسط، فقد توقعت وكالة الطاقة الدولية الخميس الماضي، تراجع انتاج دول خارج الاوبك في عام 2016 والأكبر منذ 25 عاما، مما سيسهم في تقليص الفائض في المعروض ويعيد التوازن الى الاسواق العالمية، وهذا ما أكده رئيس الوكالة نفسها بأن أسعار النفط المتدنية قلصت الاستثمارات النفطية بنسبة 40% في السنتين الماضيتين خاصة في أميركا الشمالية واللاتينية وروسيا.