مازال الطلب من الأفراد ضئيل لكن يمكن للتصميم الدقيق الاستفادة من مزاياهم
لاشك أن مستقبل مدفوعات التجزئة والمعاملات بين النظراء رقمى، فمع انخفاض استخدام النقد حول العالم، تعد العملات الرقمية التابعة للبنوك المركزية جزءًا لا مفر منه من هذا التحول.
وتخضع معظم البنوك المركزية لهذا الواقع، إما بتجربة أو تهيئة الطريق للعملات الرقمية للبنوك المركزية، باعتبارها وسائل لتعزيز نطاق الحصول على الخدمات المالية، وزيادة مرونة نظام الدفع وضمان السيادة النقدية.
وحتى مع اكتساب هذه الرموز الرقمية زخمًا، لكن قضيتها باتت أضعف.
فما الذى تغير؟
فى المقام الأول، لا يبدو الأمر واعدًا بشكل عملى كما كان يبدو نظريًا فى الأعوام الأخيرة، إذ تجرى كل من الصين والبرازيل والهند تجارب، لكنهم يواجهون طلبًا ضئيلاً على العملات الرقمية التابعة لبنوكهم المركزية، فى ظل امتلاكهم بالفعل أنظمة دفع رقمية ممتازة.
وأنهى البنك المركزى السويدى (EGX:SWDY) برنامجًا تجريبيًا امتد لعدة أعوام، لكن لجنة برلمانية لم تجد حاجة ملحة لعملة كرونة الرقمية، كما فشلت عملة نيرة الرقمية فى نيجيريا، بالرغم من أن استخدامها زاد بفعل نقص السيولة النقدية فى الآونة الأخيرة.
كما سلطت الاستجابة الرسمية للضائقة المالية التى عجل بها فشل بنك «سيليكون فالى» فى الولايات المتحدة، الضوء بشكل غير مباشر على القلق من أن عملة البنك المركزى الرقمية المخصصة للأفراد بالتجزئة قد تستنفد الودائع المصرفية.
وتتمثل إحدى الضمانات البسيطة ضد عدم وساطة البنوك فى الحد من المبالغ التى يمكن الاحتفاظ بها فى محافظ رقمية للبنوك المركزية، لكن كما يتضح من رفع التأمين على الودائع عندما فقد المودعون الثقة فى بعض البنوك، قد يصعب الحفاظ على الحد الأقصى للمحافظ الرقمية للبنك المركزى فى وقت الأزمة ويمكن أن يعجل بانهيار مصرفى، كما ارتفع مستوى خطورة نظريات المؤامرة المبنية على المخاوف المشروعة بشأن النتائج المترتبة على خصوصية العملات الرقمية للبنك المركزى.
كذلك، حظر حاكم ولاية فلوريدا رون دى سانتيس بشكل استباقى استخدام الدولارات الرقمية غير الموجودة حتى الآن فى ولايته، ولكن، نظرًا لحتميتها، ما هى المبادئ التى يجب أن توجه المرحلة التالية من تطوير العملة الرقمية للبنك المركزى؟
أولا، الوضوح حول عرض القيمة للمستخدمين، ففى العديد من البلاد، ببساطة لا يوجد طلب على أموال البنك المركزى لمدفوعات التجزئة، فكل من شركات الدفع الصينية العملاقة «أليباى ووى شات باى»، وواجهة المدفوعات الموحدة فى الهند جعلت المدفوعات الرقمية منخفضة التكلفة متاحة بسهولة وعلى نطاق واسع.
وفى الولايات المتحدة، ستزيد خدمة الدفع الفورى «فيد ناو» التابعة للاحتياطى الفيدرالى من كفاءة النظام ومرونته.
ومع ذلك، يمكن أن تلعب العملة الرقمية للبنك المركزى المصممة جيدًا دورًا تدريجيًا فى تحفيز ابتكار المدفوعات، كما أنها لديها مميزات أخرى مثل القدرة على تسهيل المدفوعات باستخدام التواصل قريب المدى عندما تتعطل الشبكات الخلوية واللاسلكية.
ثانيًا، يمكن لخيارات التصميم أن تجعل توازن المخاطر أكثر ملاءمة، وستوفر البنوك المركزية الرموز الرقمية وخدمات الحفظ للبنوك التجارية لمحافظ العملات الرقمية للبنك المركزى فى نظام من مستويين وهو أساس معظم تجارب عملات البنوك المركزية الرقمية.
كما يمكن أن يؤدى جدول الرسوم إلى إحباط التحويلات الكبيرة إلى المحافظ، فى حين أن التغييرات التنظيمية تسهل على البنوك التعامل مع التحولات من حسابات الودائع الخاصة بها إلى محافظ العملات الرقمية للبنك المركزى دون التعجيل بنقص السيولة.
ويمكن أن تساعد تقنيات التشفير الجديدة فى التخفيف من مخاوف الخصوصية وتُسهل التحقق من سلامة نية المستخدمين دون المساس بخصوصية المعاملات.
ثالثًا، يجب تحديد إدخال العملة الرقمية للبنك المركزى من خلال القدرات والقيود المؤسسية.
ولقد تقدمت نيجيريا دون بنية تحتية كافية لدعم عملة النيرة الرقمية، مما حد من اعتمادها، وهناك بعض المزايا للانتظار والتعلم من تجارب الأخرين، والفكرة القائلة بأن عملة الرنمينبى الصينية الرقمية الناجحة من شأنها أن تضع معيارًا عالميًا يهز هيمنة الدولار هى فكرة مستبعدة.
ولقد أتاحت الولايات المتحدة تصميمها المحتمل للعملة الرقمية للبنك المركزى كرمز مفتوح المصدر، ومن غير المحتمل أن تتبنى أى دولة مهمة بنية الرنمينبى الرقمية لمجرد أنها كانت متقدمة فى اللعبة.
وبالنسبة للبلاد الأصغر التى تعانى من ضعف البنوك المركزية، فإن التعجيل بالتبنى سيساعد فى الحفاظ على السيادة حول المدفوعات المحلية، ومع ذلك، فإن العملة الرقمية للبنك المركزى بنفسها لن تعوض افتقار البنك المركزى إلى المصداقية.
رابعاً، هناك وضع قوى فيما يخص العملات الرقمية للبنوك المركزية للبيع بالجملة، للدفع والتسوية بين البنوك داخل الحدود الوطنية وعبرها، لتقليل الاحتكاكات فى المدفوعات الدولية.
وتتمتع العملات الرقمية للبنوك المركزية بالتجزئة بمزايا نقدية، مما يوسع القاعدة الضريبية ويحد من استخدام أموال البنك المركزى فى أنشطة غير مشروعة، وحتى على أنظمة الدفع الرقمية الخاصة، فضلاً عن التكلفة الأقل وسهولة الوصول وقابلية التشغيل المشترك عبر المنصات.
وربما تكون العملات الرقمية للبنك المركزى حتمية مع اختفاء النقد، لكن البنوك المركزية بحاجة إلى هيكلتها لجعلها ذات قيمة وترك خيارات التصميم مرنة بما يكفى لدمج التغييرات التكنولوجية التى تخفف من المخاطر.
إعداد: وعد محمد
المصدر: «فاينانشيال تايمز»
بقلم: إسوار براساد، أستاذ بجامعة كورنيل وزميل أول بمؤسسة «بروكينجز»